بسم الله الرحمن الرحيم . إذا أردت أن تحفظ القرآن وتحصل على سند ، ما عليك سوى الاتصال بنا . كما يمكنك الحفظ معنا عبر الإنترنت
إذا أردت دراسة أحد علوم اللغة أو أحد المواد الشرعية فقط راسلني .::. إذا أردت إعداد بحث لغوي أو شرعي فنحن نساعدك بإذن الله

language اللغة

English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

اذكر الله

28‏/10‏/2011

إعلان عن فتح باب التقديم لوظيفة (إمام - مؤذن) في جمهورية مصر العربية

                   إعلان عن طلب الكويت أئمة مؤذنين
                                                      
                                                                          الإعلان هنا

برنامج عملي للعشر الأولى من ذي الحجة


بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام علي اشرف المرسلين سيدنا محمد النبي الامي الكريم وعلى اله وصحبه اجمعين

حياكم الله وبياكم وسدد بالحق خطانا وخطاكم

برنامج عملي للأيام الأوائل من ذي الحجة

وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ

1/ وظيفة العمر " التوبة " .

2/ إستغلال كل لحظة في العبادة .

3/ تضع أمامك نماذج من إجتهاد الصالحين .

4/ أن تتعلم كيفية الحج و تطبقها في بيتك طبعا بقلبك . و يمكنكم سماع درس حج بقلبك
للشيخ " هاني حلمي "

فمثلا تبدأ بالدعاء اليومي في هذه الأيام و تقول " اللهم قد حبسنا العذر فلا تحرمنا الأجر " .

فالنبي صلى الله عليه وسلم كان ذات مره بالغزو فألتفت للصحابة و قال :" إن أقوام بالمدينة
خلفنا ما سلكنا شعباً و لا وادياً إلا و هم معنا حبسهم العذر "

فربنا كتب لهم ثواب الجهاد مع إنهم لم يذهبوا إليه و هذا لأنهم حبسهم العذر ,,

و هكذا يكتب الله تعالى ثواب الحج لمن حبسهم العذر ,,

فهاااااااااااااااااام جدااااااااااااااااا الدعاء بهذا الدعاء

" اللهم قد حبسنا العذر فلا تحرمنا الأجر "

و إذا كان الحجاج يطوفون حول البيت ,, فطف أنت بقلبك تبغي رضاء الله ,,

و عندما يقوم الحجاج بالسعي ,, فأسعى أنت لإرضاء الله ,,

و إذا هم هرولوا ,, فأنت أيضا تهرول في الطريق لرضاء الله ,,

و إذا هم وقفوا على عرفات ,, فقف أنت مثلهم فعرفات معرفة ,, فأعرف ربك ,,

و إذا ذهبوا لمزدلفة ,, إذهب أنت أيضاً ,, فمعنى مزدلفة هي من كلمة زلفى أي القرب ,,

فهنا تتذكر قوله عز وجل " من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه باعاً "

ثم حين يتوجهوا لمني لرمي الجمرات فأنت أيضا أصنع مثلهم ,,

فالحصى ستأتي بها من قلبك فتخرج من قلبك التعلق بالدنيا و ترجم بها شيطان الدنيا ,,

ثم في هذا الوقت عليك بالإكثار من الإستعاذه بالله من الشيطان الرجيم .

ثم حين يحلق الحاج رأسه ,, فهذا يعني أنه لا يبالى بشكله أمام الدنيا فأنت أيضاً تضع في بالك
هذا المعنى " أن الدنيا ليست ببالك " .

5/ تقوم بأعمال تعطي ثواب الحج ,, مثلاً :

* عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَن صلى
الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة
وعمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تامة تامة تامة .

* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَن مشى إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهي
كحجة ,, ومَن مشى إلى صلاة تطوع فهي كعمرة "

* عن أبي هريرة رضي الله عنه أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالوا : " ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم " قال : وما ذاك !!

قالوا : " يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق "

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من
بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم ,, ؟! قالوا : بلى يا رسول الله

قال : تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة

قال أبو صالح : فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا :

" سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله " ,,

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ,,

قال سمي فحدثت بعض أهلي بهذا الحديث فقال وهمت إنما قال لك تسبح ثلاثا وثلاثين وتحمد
ثلاثا وثلاثين وتكبر أربعا وثلاثين قال فرجعت إلى أبي صالح فقلت له ذلك فأخذ بيدي

فقال : الله أكبر وسبحان الله والحمد لله الله أكبر وسبحان الله والحمد لله حتى يبلغ من جميعهن
ثلاثا وثلاثين رواه البخاري ومسلم واللفظ له

وفي رواية لمسلم أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبح في دبر كل صلاة
ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين وكبر الله ثلاثا وثلاثين فتلك تسعة وتسعون ثم قال تمام
المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت له
خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر

6/ إصلاح الفرائض .

و الفرائض كالصلاة والزكاة والحجاب وغض البصر و حفظ اللسان من الغيبة و النميمة و الكذب وغيرها .

7/ الذكر " تسبيحا و تحميداً و تهليلاً "

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن
من أيام العشر فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وفي رواية للبيهقي قال
ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى قيل ولا الجهاد في
سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء فقال
فكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادا شديدا حتى ما يكاد يقدر عليه . "

فهي أحب الكلام في أحب الأيام ,,

وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أحب الكلام
إلى الله أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت " رواه مسلم
وابن ماجه والنسائي وزاد وهن من القرآن

8/ أحياء شُنه مهجورة : " التكبير في الأيام العشر كلها "

بقول " الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ,, الله أكبر ,, الله اكبر ولله الحمد الله ."

9/ صيام الأيام التسع و هو ما يُعادل 630 سنة

وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يصوم
يوما في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا " رواه البخاري
ومسلم والترمذي والنسائي .

10/ أربح نصف مليون حسنه _ على الأقل _ من خلال القرآن الكريم .

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَن قرأ
حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام
حرف وميم حرف " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب

فتختم ختمة في هذه الأيام و تختمها في عصر يوم عرفه ثم بعد الختمة تمكث للدعاء .

والشاهد أن هناك ما شاء الله مَن يختم ختمة في يوم عرفة .

و تقرأ كل يوم ما بين ساعة فيما أكثر من ختمة مفسرة

11/ أربح ثروة أكثر من 30 مليون جنية

القيام

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " مَن قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام
بألف آية كتب من المقنطرين " رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه

و القنطار هو سبعين ألف دينار

و الدينار 4.25 جرام دهب بيساوى 430 جنية * سبعين ألف = 30100000

12/ مفاتيح الخير :

وعن سهل بن سعد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن هذا الخير خزائن
ولتلك الخزائن مفاتيح فطوبى لعبد جعله الله عز وجل مفتاحا للخير مغلاقا للشر وويل لعبد جعله
الله مفتاحا للشر مغلاقا للخير " رواه ابن ماجه واللفظ له وابن أبي عاصم وفي سنده لين وهو
في الترمذي بقصة

فيجب أن تقوم في هذه الأيام بصدقة ,, و يا ليتها لو تكن صدقة جارية

كمثلاً : " تضع كتاباً في المسجد أو أن تقوم بعمل كولدير مياه أو قلة أو مثلاً أو تفطير صائم أو
الدعوة ولو بكتيب أو شريط أو إكرام جار أو سرور تدخله على مسلم .

13/ الفرص الذهبية :

* بناء عشر بيوت في الجنة :"فتحافظ على نوافل 12 ركعة كل يوم "

عن أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: " ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى في كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بنى الله تعالى له بيتا في الجنة أو إلا بني له بيت في الجنة " رواه مسلم وأبو داود
والنسائي

* قراءة قل هو الله أحد " الإخلاص " 10 مرات كقصر بالجنة إذا في خلال العشر أيام
يمكنك بناء 100 قصر ,,

* مشروع يوم في الجنة :

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَن أصبح منكم اليوم صائما ؟ فقال
أبو بكر رضي الله عنه أنا , فقال : مَن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟ فقال أبو بكر : أنا ,, قال : مَن تبع منكم اليوم
جنازة , قال أبو بكر : أنا , فقال : مَن عاد منكم اليوم مريضا , قال أبو بكر : أنا , فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما اجتمعت هذه الخصال قط في رجل في يوم إلا دخل الجنة " رواه ابن خزيمة في صحيحة

14/ الدعاء بـ " اللهم اعتق رقبتي من النار " فتسأل الله فيه كثيرا
15/ الاعتكاف في يوم عرفة في المسجد لنوال ثواب كل لحظة في اليوم .
منقول عن الشيخ الفاضل هاني حلمي عبد الحميد

اللهم اجعل عملنا كله صالحا ولوجهك خالصا ولا تجعل فيه لاحد غيرك شيئا





من روائع المقالات القديمة ... من ذكريات الحج للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله

 من ذكريات الحج
علي الطنطاوي (ت 1420هـ - 1999 م)
نشر عام 1955
 
ألا ترون العروق الشعرية كيف تحمل الدم من أطراف الجسم ثم تصبه في الأوردة الكبار، حتى يدور دورته في القلب مجتمعاً، وفي الرئة منتشراً، فيصفو بعد العكر، وينقى من الوضر، ويعود في الشرايين دماً أحمر جديداً، بعد أن كان في الأوردة دماً أسود فاسداً؟ كذلك الحج.
 
يأتي المسلمون من آفاق الأرض الأربعة، أفراداً ثم ينتظمون جماعات، ثم يدورون حول الكعبة قلب الأرض المسلمة، ثم ينتشرون في عرفات رئة الجسم الإسلامي فتصفي نفوسهم من أكدار الشهوات، وتنقى أوضار الذنوب، ويعودون إلى بلادهم أطهاراً، قد استبدلوا بتلك النفوس نفوساً جديدة كأنها ما عرفت الإثم، ولا قاربت المعاصي.
 
لذلك كان الحج أكبر أُمْنِية يتمناها لنفسه المسلم، ويتمناها له إخوانه وأصدقاؤه، فهم إذا دعوا له دعوة صالحة دعوا له بالحج.
 
وإذا كان أقصى ما يتمناه من يُقدِّر العالِم، أو يُكْبِر الكاتب، أو يهوى الحبيب، أن يزور البيت الذي ولد فيه، والعشَّ الذي خرج منه، والمواطن التي شهدت طفولته وصباه، وكهولته وموته، ويطأ الأرض التي وطئ. وينشق الهواء الذي نشق، فكيف لا يتمنى المسلم أن يزور موطن الروح، ومهوى القلب؛ الأرض التي انبلج منها فجر الإسلام، وأشرقت منها شمسه، وعاش في ربوعها أعظم العظماء، وسيد الأنبياء، حبيب قلب كلِّ مسلم، ومن هو أعزُّ عليه وأحبُّ إليه مِن أُمِّه وأبيه وولده وأهله، ويدخل من باب السلام، ويبصر البيت الحرام، ويطوف بالكعبة والحطيم، ويرى زمزم والمقام.
 
هنالك الفرحة الكبرى، التي لا تعدلها أفراح الدنيا، وهنالك اللقاء لا لقاء الحبيب بعد طول الهجران، وهنالك الموكب النوراني الذي يمرُّ مِن حول الكعبة، موكب الطائفين، من كلِّ جنس ولون، من بِيض وسُمر، وسُود وشُقْر، وشيوخ وفتيان، ورجال ونسوان، من كلِّ قطر من أقطار الأرض، ينادون بكلِّ لسان، يدعون ربًّا واحدًا يسألونه، وهو الكريم لا يرد سائلًا، ولا يضجره سؤال.
 
إنكم لتعجبون إن رأيتم موكبًا يمشي ساعات لا يقف ولا ينقطع، أو أبصرتم جيشاً يلبث أيامًا، وهو يمر لا يتريث ولا ينفد، فاعجبوا، واعجبوا أشد العجب من موكب بدأ يمشي من خمسة آلاف سنة، من يوم بنى إبراهيم هذه البنية، ولا يزال يمشي إلى اليوم يطوف بهذه الغرفة القائمة في وادٍ غير ذي زرع من بطن مكة، المبنية بالحجارة السود، الخالية من الصقل والتهذيب والزخارف والنقوش، ومن نعم الله على الإسلام أنها بقيت كما هي، فلم تمتدَّ إليها اليد بمثل الفنِّ الذي أراقته العبقرية الإسلامية على الأُموي وقبة الصخرة والحمراء وتاج محل؛ لأن كلَّ بارع من الفن قد يوجد ما هو أبرع منه، أما الفطرة الساذجة التي شُيِّدت بها الكعبة فستظل أبداً نسيج وحدها، في العظمة والخلود.
 
هذا الموكب الذي بدأ يمشي من خمسة آلاف سنة، ولا يزال يمشي إلى اليوم، وسيقف كلُّ جيش في الدنيا مهما بلغ من القوة والعديد، وكلُّ موكب بشري مهما حوى من الفخامة والعظم، ويظلُّ هذا الموكب يمشي، يمشي ما بقي الزمان ماشياً على طريق الأبد، يمشي في وقدة الشمس المتلظية في آب، ويمشي في قرة الشتاء في كانون، ويمشي في رأد الضحى، ويمشي في هدأة السحر، يمشي في الليل وفي النهار، يمشي في هناءة السلم، وفي غمرة الحرب، يمشي رغم النكبات والمصاعب والأهوال.
 
لم توقف سيره جيوش الصليبيين لما رمتنا بها أوربة، فجاءت كالسيل المنهمر، ولكنه سيل من نار مدمرة، وهلاك مبيد، ولا القرامطة لما ثاروا ثورة البركان يرمي بالحمم، وعاثوا في الأرض فسادًا وتدميرًا، وأدخلوا الموت إلى الحرم الآمن، ولطخوا بدم الطائفين أرض المطاف، ولا المغول لما هبوا كما تهب الريح الصرصر العاتية، تدمر كلَّ شيء، لا وليس في الوجود قوة بشرية تستطيع أن تقف موكب الخلود الذي يطوف أبداً حول الكعبة البيت الحرام.
 
إنه ليس الخبر كالعيان، وأنا مهما أوتيت من البيان لا أستطيع أن أصف لكم ما يحسُّ به الحاج عندما يقف على باب الحرم، ويرى الكعبة لأول مرة، فقولوا: آمين! أسأل الله أن يكتب لمن يريد منكم ألا يموت حتى تكتحل عينه برؤية هذا المشهد، مشهد الكعبة، الكعبة التي تتوجهون إليها من الشام ومصر والمغرب والمشرق، وكلِّ بلد على ظهر الأرض تتخيلونها بقلوبكم من وراء الجبال والصحارى والآكام البعاد، وكلما اقتربتم منها مرحلة شعرتم بازدياد الشوق، وغلبة الجهد.
 
تحسون كأنكم تدنون من الحبيب ودونه الحجب والأستار، فلا تزال ترفع لكم حجابًا بعد حجاب وسترًا بعد ستر، حتى تروا طلعة الحبيب، وأين طلعته من طلعة الكعبة، قبلة الإسلام، ومهوى القلوب.
 
ها هي ذي الكعبة يا ناس، وهذا الحطيم وزمزم والمقام، لقد صحت الرؤى وتحققت الأحلام، وهؤلاء المسلمون صفوفًا حولها، وراءها صفوف، صفوف تمتدُّ إلى خارج الحرم إلى وراء الحجاز، إلى الدنيا كلِّها، فهذه مركز الدائرة وهذه سرة الأرض، وهنا يلتقي المكان كله، فالمشرق هنا والمغرب، والنائي من الأرض والداني، وهنا الشام ومصر والعراق والمغرب وفارس والمشرق والهند هنا، وجاوة والأرض المسلمة كلها، وقد جاء أبناؤها من كلِّ مكان، كما تصبُّ الجداول في النهر الأعظم تدور معه حتى تستقر معه في حضن البحر الرحيب، يطوفون بالكعبة ثم يمضون إلى حضن عرفات. فلا ترى إلا بحرًا يموج بالسفائن البيض، بالخيام التي تبسم طهرًا لعين الشمس.
 
قلت لكم إنه ليس الوصف كالعيان، ولا يستطيع قلم ولا لسان أن يصف لكم هاتيك العواطف السماوية، التي تملأ قلب المسلم إنه يطوف بالكعبة، فيخرج من حاضره، وينسى دنياه، ويرى أمامه هذا الموكب الطويل يمتدُّ خلال الزمان، فيبصر الخلفاء تمشي معه، والصالحين والعباد والأئمة، ويرى أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا، ويبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو يمشي على أثره، يدور من حيث دار، ويضع شفتيه موضع شفتي محمد الحبيب على الحجر الأسود.
 
صدقوني إن كلَّ لذات الدنيا، بطعامها وشرابها ولباسها ومتع شهواتها ومناعم أموالها، لا تبلغ ذرة من اللذة الروحية التي يشعر بها الحاج وهو يلثم الحجر الأسود، الذي لثمه محمد، ومن قبله أبو الأنبياء إبراهيم، صلى الله عليهم جميعًا. فقولوا آمين، أسأل الله أن لا يحرمكم هذه النعمة.
 
وعرفات، إنها لن ترى عين البشر مشهدًا آخر مثله، هيهات ما في الدنيا ثان لهذا المشهد العظيم، ولقد يجتمع في المعارض والألعاب الأولمبية واحتفالات التتويج في بلاد الغرب حشود من الناس وحشود، ولكن شتان ما بين الفريقين، أولئك جاؤوا للمتعة والفرجة والتجارة، وحملوا معهم دنياهم، وقصدوا بلدًا زاخرًا بأسباب اللذة والتسلية، وهؤلاء خلَّوْا دنياهم وراء ظهورهم، ونزعوها عن أجسادهم ومن قلوبهم ...
مشهد لو كان يجوز أن يشهده غير مسلم لاقترحت أن تجعله هيئة الأمم المتحدة عيدها الأكبر، إذ هنا أُعلنت حقوق الإنسان، لا كما أُعلنت في الثورة الفرنسية، ولا كميثاق الأطلنطي الذي كُتب على الماء، أُعلنت قبل ذلك بأكثر من ألف سنة، وطبقت حقيقة، يوم قام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فأعلن الحرية والمساواة وحرمة الدماء والمساكن ووصى بالنساء، وقرَّر لهن من ذلك اليوم الاستقلال الشخصي والمالي، مع أنَّ أكثر قوانين الأرض المدنية لا تقرُّ للمتزوجة في أموالها هذا الحق، وكان هذا المشهد في كلِّ سنة دليلًا قائمًا يملأ عيون البشر وأسماعهم على أن ما قرَّره محمد قد طُبِّق أكمل التطبيق.
مشهد يهدم الفروق كلَّها، فروق الطبقات وفروق الألوان، وفروق الأجناس، الناس كلهم إخوة، لا ميزة لأحد على أحد إلا بالعمل الصالح، وإذا كان اللباس الرسمي في الحفلات والمواقف الرسمية ما تعرفون، فاللباس الرسمي هنا قطعتان من قماش فقط، لا خياطة ولا أناقة ولا زخرف، ولا يفترق في هذا المقام أكبر ملك عن أصغر شحاد.
إنه مشهد عجيب، إنه أُعجوبة الأعاجيب.
عشرات وعشرات من آلاف الخيام، تحتها أقوام من كلِّ بقعة في الأرض، لا يجمعهم لون ولا لسان ولا بلد، ولكنهم لا يقفون ساعة حتى يحسَّ كلٌّ أنه أخ للآخر، أعز عليه من أخيه لأمه وأبيه، إخوان وحَّدتهم العقيدة، ووحَّدتهم القبلة، وربما عادى الأخ أخاه حقيقة، إن لم يكن دينه من دينه، ومذهبه من مذهبه؛ لأن أُخوَّة الدين والمذهب أقوى من أُخوَّة النسب.
 
إنهم يضجُّون بكلِّ لغة، يهتفون جميعًا: لبيك اللهم لبيك، لبيك إن الحمد لك والملك لا شريك لك، دعوتنا فجئنا من أقاصي الدنيا، لم تمنعنا الجبال ولا القفار ولا البحار، ولم يمسكنا حب الأهل والولد، دعوتنا إلى القرآن لا قراءة وترنيمًا وتغييبًا، بل عملًا وتطبيقًا، فقلنا: لبيك اللهم لبيك، دعوتنا إلى العزة والوحدة والصدق في القول والعمل، فقلنا: لبيك اللهم لبيك. دعوتنا إلى الجهاد؛ جهاد النفس وجهاد الكافرين، فقلنا: لبيك اللهم لبيك.
لبيك اللهم لبيك، لبيك إن الحمد لك والملك لا شريك لك.
إن الحج هو الدورة التدريبية الكبرى، التي تقوي الأجسام والأرواح، التي تربي الأجساد والقلوب، التي تعدُّ للحقِّ جيشًا جنده متمرسون بالشدائد، حمَّالون للمصاعب، سامون بأرواحهم إلى حيث لا تستطيع أن تبلغ مداه روح.
 
إن الحجَّ عيش في تاريخ المجد، في سيرة الرسول، في سماء الإيمان، إنه النهر الذي يغسل أوضار الناس، إنه الرئة التي تصفي الدم، وترده أحمر نظيفًا مملوءًا بالصحة والحياة.
إنه المؤتمر الإسلامي الأكبر.
أسأل الله أن يكتبه لمن لم ينعم به منكم، وأن يجعل لي ولمن حج معادًا إليه.
المصدر: كتاب (من نفحات الحرم) للشيخ علي الطنطاوي. دار الفكر. دمشق - طبعة 1400هـ ، (ص53). بتصرف.