بسم الله الرحمن الرحيم . إذا أردت أن تحفظ القرآن وتحصل على سند ، ما عليك سوى الاتصال بنا . كما يمكنك الحفظ معنا عبر الإنترنت
إذا أردت دراسة أحد علوم اللغة أو أحد المواد الشرعية فقط راسلني .::. إذا أردت إعداد بحث لغوي أو شرعي فنحن نساعدك بإذن الله

language اللغة

English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

اذكر الله

25‏/03‏/2012

كتاب جديد : تحولات الإسلاميين من لهيب سبتمبر إلى ربيع الثورات


تحولات الإسلاميين من لهيب سبتمبر إلى ربيع الثورات



عنوان الكتاب
تحولات الإسلاميين من لهيب سبتمبر إلى ربيع الثورات
اســم المـؤلف
وليد بن عبد الله الهوريني
النـاشـــــــر
مجلة البيان – الرياض
ســـنة الطبــع
ط 1 – 1433هـ
عدد الصفحات
133


التعريف بموضوع الكتاب
منذ ثلاثين عاماً والمجتمع السعودي يمر على رأس كل عقد من الزمان بأحداث نوعية, تعتبر علامات فارقة, ومنعطفات نوعية, ساهمت بشكل كبير في إعادة رسم وعي هذا المجتمع, وتشكيل حراكه الفكري, والثقافي, وبعثرة الكثير من أوضاعه السائدة. فمروراً بأحداث الحرم المكي في عام 1400هـ, ثم غزو العراق للكويت عام 1411هـ, ثم أحداث سبتمبر عام 1421هـ, ثم الثورات العربية المتتابعة كل ذلك يعتبر منعطفات كبيرة وهامة, ألقت بظلالها على المجتمع السعودي عموماً, ونخبه الثقافية والشرعية على وجه الخصوص.
كتابنا لهذا الأسبوع يرصد أهم التحولات التي حدثت داخل إطار الإسلاميين في المجتمع السعودي, وتقديم رؤية تحليلية لهذه التحولات, وأسبابها, غايته في ذلك إعطاء رؤية مغايرة لعامة الكتابات التي تناولت الشأن المحلي السعودي بالنقد والتحليل, واستعراض عددٍ من الأحداث والوقائع التي نجمت عنها أخطاء وسلبيات, ومحاولة الاستفادة منها حتى لا تتكرر, وتبصير الشباب المسلم في داخل المملكة وخارجها بالعديد من الأطروحات المنحرفة, والتي تتجنى على الدين, والفرد, والمجتمع, وإن كانت ترفع لافتات براقة, وعناوين جذابة.
في مدخل الكتاب تناول المؤلف بالحديث مفهوم تحولات الإسلاميين وأنواعها, ذاكراً أن هذه التحولات انقسمت إلى ثلاثة أقسام:
- تحولات إيجابية.
- تحولات ملتبسة.
- تحولات سلبية.
ولكلًّ منها مفهومه وتعريفه.
وبعد الحديث عن مفهوم التحولات شرع المؤلف في الفصل الأول من الكتاب والذي تحدث فيه عن الأحداث والأسباب التي مهدت لظهور التحولات في وسط الإسلاميين, فذكر من ذلك تعثر مسيرة الصحوة في التسعينيات الميلادية, وبروز ما يسمى بتيار العنف, ورحيل الرموز الكبرى كالشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين وغيرهما, ممن كان له تأثير قوي في الساحة الإسلامية, كما ذكر من الأسباب أيضاً حادثة 11 سبتمبر, والتي ضربت فيها القوة العظمى في العالم والمتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية, وشارك فيها عدد من الشباب السعودي, ومن تللك الأسباب التي ذكرها أيضاً ضعف الالتزام الأدبي للرموز تجاه طلابهم وقاعدتهم الشعبية, والانفتاح المعلوماتي, ونشوء جيل ما بعد الصحوة, وغياب التخطيط الاستراتيجي المستقبلي للمسيرة الدعوية.
أما عن التحولات السلبية, وأهم معالمها ومظاهرها, فقد خصص لها المؤلف الفصل الثاني من كتابه, وذكر من ذلك العديد من النقاط منها:
- محاولة قولبة السلفية بوصفها منتجاً ثقافياً إقليمياً.
- الإمداد العلمي والفكري للتيار الليبرالي.
- ظهور التطرف المسكوت عنه أو ما يسمى بالتطرف المضاد وهو تطرف اللليبراليين في عبثهم بالثوابت الشرعية والأحكام الدينية.
- ظهورالمجموعات التنويرية وهم مجموعة من الشباب الذين نشؤوا في محاضن الصحوة الإسلامية وعاشوا عاصفة من التحولات الفكرية.
أما الفصل الثالث فاستعرض فيه المؤلف أهم مظاهر التحولات الملتبسة وأهم معالم خطابهم فذكر من ذلك: غلبة العمومية والضبابية في المواطن التي تتطلب وضوحاً, وتجلى ذلك في عدة مجالات عددها المؤلف وفصل فيها.
ومن معالم هذه التحولات أيضاً طغيان لغة التعايش مع الطوائف الأخرى, مع غياب مرتكزات وقواعد مشروع التعايش, وضعف لغة التعايش تجاه الداخل الشرعي.
ومن المعالم أيضاً الإفراط في جلد المجتمع والاختزال في تصوير الواقع, والاضطراب في عرض موقف المسلم تجاه غير المسلمين.
الفصل الرابع من فصول الكتاب خصصه المؤلف للتحولات الإيجابية, ذاكراً منها شيوع الاهتمام بالقضايا الفكرية, وازدياد مظاهر العمل المؤسسي في المجال العلمي والدعوي, والفاعلية في المشاركة على الشبكة العنكبوتية, مع العناية بالخطاب النخبوي, ومخاطبة قطاعات جماهيرية واسعة عبر الفضائيات غير الإسلامية.
أما الفصل الخامس فتألف من مبحثين اثنين:
الأول: تناول فيه المؤلف أبعاد تحولات الإسلاميين الفكرية وذكر منها: إضعاف ثقل الإسلاميين, وخلخلة قدرتهم على الحشد الشعبي, وفك العزلة المجتمعية, والوقاية الشرعية لعدد من المفاهيم المنحرفة ورواد التغريب.
المبحث الثاني: تناول الرؤية الاستشرافية لهذه التحولات في مرحلة الثورات العربية.
ذكر في هذا المبحث رؤيتين: رؤية متفائلة، وأخرى متشائمة.
ثم ختم المؤلف كتابه بمحطة أخيرة أوضح فيها أن رياح التغيير تأبى قولبة الإصلاح.
والكتاب يعتبر رؤية مغايرة لعامة الكتابات التي تناولت المجتمع السعودي بالنقد والتحليل, وفيه رؤى ناضجة، وتحليل موفق، وننصح الدعاة وشباب الصحوة، ومن يسمون أنفسهم بالتنويريين، وكل من يهمه أمر هذا الدين ويتابع السجالات القائمة بعد الثورات العربية - وخاصة في المجتمع السعودي- بقراءة هذا الكتاب بتأنٍ وروية وإنصاف، نسأل الله عز وجل أن يجزي كاتبه خيراً، ونشكره على هذا الرصد والتحليل، ونتمنى من المهتمين بالفكر الإسلامي دراسات مماثلة، تجلي الحقيقة، وتساهم في تصحيح مسيرة الدعوة السلفية المباركة في هذه البلاد.

من روائع المقالات القديمة " باطل مشرق " للعلامة الراحل محمود محمد شاكر رحمه الله .



باطل مشرق
محمود محمد شاكر
نُشر عام 1372هـ- 1953م
لم أكد أفرغ لنفسي، وأنفض عن فكري مثاقل الهمِّ الفادح الذي أتحمله إذا كتبت في شأن هذه الأمم المسلمة- حتى دخلت في خلوتى أيام وليالي، تعلمني أن الباطل المشرق، صنو الباطل المظلم البهيم. بل إن الباطل المشرق أضرى وأفتك بالبشر من صنوه وأخيه المظلم. للباطل المظلم ردة، كرَدَّة الوجه القبيح، يزوى لها الناظر ما بين عينيه، ويردُّ بصره معرضًا عما يرى فيه من قبح. أما الباطل المشرق المضيء، فله فتنة تنادي، كفتنة وجه الحسناء الخبيثة المنبت، تأخذ بعين الناظر، فيقبل عليها ملقيًا بنفسه في مهالك هذا الجمال الآسر، وإذا المنبت الخبيث درَّة مستهلكة في هذا التيار المترقرق من فتن الحسن والهوى.
وهذه الرقعة المتراحبة من حدود الصين إلى المغرب الأقصى – والتي تسكنها أمم ورثت اسم الإسلام، فنُسبت إليه، ووُصفت به – تعيش اليوم في بريق متلالئ من هذا الباطل المشرق. فمنذ أكثر من مائتي سنة، ضربها الغازي الصليبي المستعمر ضربة رابية، حتى خرَّت عاجزة، ثم ظلَّ يضربها حتى همدت أو كادت. وفي خلال ذلك كان الغازي يستحييها بحياة غريبة عنها، حتى يأتي يوم تتبدل فيه من حياة كانت إلى حياة سوف تكون. وكذلك يقضي قضاء ساحقًا على أسباب الحياة الأولى، الحياة التي كانت تُعرف بالحياة الإسلامية.
ثم جاء اليوم الذي ظنَّ فيه هذا العالم أنه ارتد إلى الحياة مرة أخرى. ونعم، إنه ارتد إلى حياة مرة أخرى، ولكن أي حياة! ما على الآلاف المؤلفة التي تدبُّ في أرجاء هذا العالم من مثل هذا السؤال؟
إنَّ حبَّ البقاء في الحي الفرد، أقوى من العقل، أقوى من حب المعرفة، أقوى من حب المال. فإذا ظفر بالبقاء على أمه الأرض، فقلما يبالي بشيء غير هذا البقاء. ولكن الحياة الإنسانية مجتمعة لا تستقيم بحب البقاء وحده. فالاجتماع الذي يضم هؤلاء الأحياء المتشبثين بالبقاء، يحدث لهم ضروبًا جديدة من الأماني والآمال والمطامح، تغلب هذا الحب الخفي للبقاء المجرد في الفرد، وتنشئ فيهم حبًّا لبقاء آخر: هو بقاء حياة الجماعة، من حياة أنشأها الإلف والتعوُّد، وحياة تنشئها الأماني، في حياة أتم وأكمل وأمجد.
والنزاع بين حياة الإلف والتعود، وحياة الأماني في الكمال والمجد، نزاع عنيف، وهو على عنفه أمر غامض في نفوس عامة أفراد المجتمع؛ لأنه يقوم على أماني مبهمة دائمًا في أول أمرها. ولا تستبين هذه الأماني إلا في فئة قليلة، تملك من القدرة على النظر، وعلى التأمل، وعلى البيان عن نظرها وتأملها، قسطًا يتيح لها أن تحاول التعبير عن هذه الأماني، تعبيرًا يخرجها من حيز الأمر المبهم إلى حيز الأمر البيِّن.
فمن هذا المدخل يدخل على الجماهير أحد رجلين: إما رجل عاقل صادق، يحسن النظر والتأمل والبيان، وإما رجل ذكي قادر، يموِّه عليهم بالنظر والتأمل والبيان. أحدهما عارف، يصدُق الناس ولا يبالي، والآخر دجَّال يلعب بالناس ولا يبالي. أحدهما لا يأخذهم إلا بالوسائل التي تقوم على الصدق والعدل والحقِّ، والآخر يأخذهم بكلِّ وسيلة لا يعبأ بصدق ولا عدل ولا حقٍّ. أحدهما يعلِّم الناس معنى هذه الأماني المبهمة في أنفسهم، كما ينبغي لكلِّ تعلُّم؛ من جهد ومشقة وحذر وبصر. والآخر يعلِّمهم معنى هذه الأماني المبهمة في أنفسهم، بما يستثيره فيهم، وما يستغلُّه من نزوعهم وتلهفهم، لا يأبه لشيء إلَّا لما يستخفهم إلى اتباعه وطاعته وتمجيده.
فالحرية- مثلًا- سوق تهوى إليه نفوس المستعبدين، كلمة مبهمة تعيش في سرِّ نفوسهم كالقبس المكفوف، لو كشف غطاؤه لأضاء. فالرجل الصادق يعلِّم النفوس معنى الحرية، ويُكسبها من وسائل تعلُّمها ما لابد لها منه من صدق وعزيمة وجد ومشقة وبصر، حتى تتهاوى الجدران التي تحول بينها وبين الانطلاق، وتنفض الأغلال الثقيلة الغليظة التي تعوق الحيَّ عن إدراك حريته. أما الدجَّال، فهو لا يزال يصرخ فيهم باسم الحرية، ثم لا يمنح الناس من وسائلها إلا كلُّ وسيلة لا تغني شيئًا في كفاح الجدران والأغلال، بل ربما زادت الجدران صفاقة وقوة، والأغلال ثقلًا وغلظًا وفداحة. فهذا هو الباطل المشرق؛ لأنَّه يأتي الناس من حيث تهوى أفئدتهم معنى مبهمًا غامضًا كريمًا، فيموِّه هذا المعنى بما شاء من تمويه؛ ليسير الناس وراءه كما هم عميًا صمًّا، لا ليعلم الناس حقًّا يطلبونه، ويحرصون عليه، ويزدادون معه على الأيام بصرًا وإدراكًا.
وهذا العالم الإسلامي الذي يموج اليوم موجه، ينبح في نواحيه هذا الباطل المشرق ينبح في السياسة، وفي العلم، وفي الأدب، وفي الفنِّ، وفي الأخلاق، وفي جماع ذلك كلِّه: في الدين. هو عالم مستغلُّ، يستخفُّه الدعاة والدجاجلة، يهتبلون غفلته في هذه الحياة التي ظنَّ أنَّه ارتدَّ إليها بعد همود، ويختلسون نفضة هذا الشوق المضطرم إلى أمانٍ مبهمة غامضة. ويتولَّى قيادته في كلِّ شأنه ألسنة لا تبالي، تستفزُّه إلى المغامرة في سبيل الحياة الماجدة الطيبة التي تجيش فيه. تستفزُّه بالنداء الصارخ باسم هذه المعاني المبهمة في ضميره، وتعطيه وسائل وأساليب يظنُّها معينة له على إدراك ما يشتاق إليه، وهي في الحقيقة مفضية به إلى التمرغ في حمأة الجهالة، والعبودية، والغرور الكاذب، إلى أن يقضي الله في الناس بأمره وقضائه.
وأخطر هذه الألسنة التي تستفزُّ هذا العالم، هي الألسنة التي اتخذت كلمة الإسلام لغوًا على عذباتها[أطراف الألسنة]، لا لأنَّها أعظم شأنًا وأعزُّ سلطانًا من الألسنة الأخرى، ألسنة المموِّهين باسم الحرية، واسم العلم، واسم الفنِّ، واسم الأخلاق، بل لأنَّها تعمد إلى كتاب أنزله الله بلاغًا للناس، وحكمة أوحيت إلى رسوله لتكون نبراسًا للمهتدين، فتحيلهما إلى معان من أهواء النفوس، التي لا تعرف الحقَّ إلا في إطار من ضلالاتها وأوهامها. ثم يتبعهم التابعون الجاهلون اتباعًا، هو سمعٌ وطاعة، لكن لغير الله ورسوله، بل للزُّور المدلَّس على كتاب الله وسنة رسوله. وإذا هؤلاء المتبعون يعدُّون هذه الضلالة دينًا، ويظنُّون هذا الدين الجديد إحياء للإسلام. وإذا هم يأخذون دينهم من حيث نهوا أن يأخذوا. يأخذونه عن مبتدع في الدين برأيه، محيل لنصوصه بفساد نشأته، مبدِّل لكلماته بهوى في نفسه، محرِّف للكلم عن مواضعه بما يشتهي وما يحبُّ، مختلس لعواطف الناس بما فيه من حبِّ اتباعهم له، خادع لعقولهم برفعة الإسلام، ومجد الإسلام، وهو لا يبغي الرفعة ولا المجد إلا لنفسه.
ولقد أنبأنا معاذ بن جبل رضي الله عنه بصفة ما نحن فيه، إذ قال يوما لأصحابه: (إنَّ من ورائكم فتنًا يكثر يها المال، ويفتح فيها القرآن، حتى يأخذه المؤمن والمنافق، والرجل والمرأة، والصغير والكبير، والعبد والحر، فيوشك قائل أن يقول: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن؟ ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره. فإياكم وما ابتدع، فإن ما ابتدع ضلالة. وأحذِّركم زيغة الحكيم، فإنَّ الشيطان قد يقول كلمة الضلال على لسان الحكيم. وقد يقول المنافق كلمة الحق. قال له يزيد بن عميرة- أحد أصحابه- : ما يدريني- رحمك الله- أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة، وأن المنافق قد يقول كلمة الحق؟ قال معاذ: بلى! اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال لها: ما هذه؟ ولا يثنينَّك ذلك عنه، فإنَّه لعله يراجع. وتلقَّ الحقَّ إذا سمعته، فإنَّ على الحقِّ نورًا).
وقد فتح القرآن، فأخذته الألسنة كلُّها من مؤمن ومنافق، ومن صغير وكبير، وكلٌّ يقول برأيه لا يختشي، ولا يرهب، ولا يتقي. وظهر في كلِّ أرض من يقول لنفسه: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن؟ ثم يعود من نحسه وشؤمه، يجمع كلَّ خسيسة من البدع التي تميل إليها نفوس الجاهلين الغافلين، وتهوى إليها أفئدة الذاهلين، المفتونين بالحبِّ لكلِّ جديد مبتدع. وهو في كلِّ ذلك يعلم أنَّ المبتدع في كلِّ شيء له لذة الجِدَّة، ويعلم أنَّ الناس يشتاقون إلى أمر مبهم في نفوسهم، هو استعادة مجد دينهم، ونشر كلمته في الأرض، فلا يبالي أن يشرع لهم من الدين ما لم يأذن به الله، فيؤتيهم ما يطابق ما يراه من أشواقهم، ويزيِّن لهم أنَّ بلاغ ما يشتاقون إليه قريب، إذا هم اتبعوه إلى الغاية. وأنَّ شرط بلاغه أن يعطوه السمع والطاعة له ولمن يصطفيهم من شيعته ودعائه. فإذا تمَّ أن تجتمع عليه طائفة من الناس، وظهر بهم أمره، وظنوا أنهم بلغوا بعض ما منَّاهم لسانه ولسان شيعته ودعاته، قالوا: إنَّ الإسلام هو هذا الذي ندعو إليه، وإنَّ طريق الحقِّ طريقنا وحده، وإنَّ الإسلام في غير الإطار الجديد الذي وضعناه فيه ليس من الحق في شيء، وإنَّ هذا الفهم الجديد للإسلام هو خلاص المسلمين من هذه الذلة التي ضربها عليهم الغازي الصليبي. ثم تنشق ردغة هذا الخبال؟ عن صنوف مختلفة من الفساد المهلك، تجعل تاريخ الماضي كله ضربًا من الحياة الفاسدة، لا ينبغي لأحد من الناس أن يتلفت إليه إلا تلفت المزدري المستنكف. وعندئذ يصبح الدين في أذهان الجماهير المتبعة رسالة جديدة، لها رسولها وحواريوها ودعاتها وشهداؤها. وإلى بيان هذه الرسالة تعود الجماهير، لا إلى كتاب الله ولا إلى سنة رسوله، نعم، بل إلى تفسير هذا الكتاب وهذه السنة، كما يراها لهم طواغيتهم من كهوف التبديل، والتحريف، والتأويل بالهوى والضلالة. وعندئذ يتمُّ تبديل معنى الإسلام في الناس، ويتمُّ للدجال أن يبتدع بهواه إلى طب في أهوائهم كتابًا غير كتاب الله. ولولا أنَّ الله قد ضمن لنا حفظ نصِّ كتابه، وحفظ نصِّ البيان عنه في سنة رسوله- لفعل هذا وأشياعه ما فعل أسلافهم ممن بدَّلوا كتب الله وحرَّفوها، ومحوا منها وأثبتوا، ونقصوا فيها وزادوا.
لولا هذا الذي نخافه، بل هذا الذي كان مما نخافه، لما عددت هؤلاء أشد خطرًا من الألسنة التي تموِّه على الجماهير الجاهلة الغافلة باسم الحرية، واسم العلم، واسم الفن، واسم الأخلاق. فطريقهما في الحقيقة واحد، ومنشؤهما واحد، ونتائجهما واحدة، وفي التغرير بالناس، والعبث بعقولهم، والإفساد لفطرتهم، واللعب بعواطفهم، وإيهامهم أن نجاتهم من عبودية الغزاة أمر قريب لا يكلِّفهم إلا أن يسمعوا لمن يقول لهم: كونوا أحرارًا، فإذا هم سادة أحرار، كما ولدتهم أمهاتهم!
اللهم إني أبرأ إليك مما نحن فيه. اللهم إني أخوف الناس مما خوَّفهم منه عبدك ورسولك، إذ يقول: (أخوف ما أخاف على أمتى كل منافق عليم اللسان). اللهم إني أقول كما قال صاحب رسولك؛ معاذ بن جبل: (الله حكم قسط، هلك المرتابون!)
المصدر: كتاب (جمهرة مقالات الأستاذ محمود محمد شاكر، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط1، 2003م، (1/593)