لقاء مخطَّط له سلفًا تنتظره عصابة من المجرمين بفارغ الصبر ليهجموا هجمة شرسة كي يسلبوا فيها كل ما يستطيعون من أحمال ثقيلة وخفيفة، وكل ما يقع تحت أيديهم من ممتلكات، ناهيك عن جرائم القتل التي سترتكب في حالة عجزهم عن السلب والنهب والاغتصاب.
نعم، انتبهوا أيها الأخوة والأخوات، لا تنشغلوا وبإفراط في أفراح العيد وتتغافلوا عن هؤلاء المجرمين؛ لأنهم -والله- لن يدعوا صغيرًا ولا كبيرًا، أو فقيرًا أو غنيًّا، ولن ينظروا إليكم بعين الشفقة أو الرحمة.
لأنهم سينتقمون وأيما انتقام.. فهم عصابات من السجناء والأحرار العبيد.
الأخبار تؤكد قرب عملياتهم الشرسة -مع صلاة العيد- ولن يدعوا أخضر ولا يابس، مستغلين فيها براءة الناس وخروجهم من موسم الخير والإيمانيات، والعفوية والصدق ونبل الأخلاق.
نعم، لا أحد سيصدق الذي سيحدث.. لا أحد يتوقع.. بل ولا أحد سينتبه حتى بعد وقوع الكارثة.
أهل الإيمان والتقوى والصيام والقيام الذين عكفوا وعمروا مساجد الله طوال ليالي رمضان.
وكذلك النساء الصالحات اللواتي عكفن شهرهن بين طاعة، وتقوى، وتجهيز وإعداد لأسرهن؛ كسوتهم وفطورهم وسحورهم.
أهل النفوس الخاشعة التي كم بكت وتابت، وأنابت واستغفرت في رمضان.
أهل القرآن وخاصته الذين ختموا القرآن المرة تلو المرة، وحفظوا منه ما يسر الله لهم.
أهل الإمساك عن النظر الحرام، وفضول الكلام، والغيبة، والنميمة، والكذب، والحرام.
الصالحون والصالحات والقانتون والقانتات والذاكرون الله كثيرًا والذاكرات.
بل وحتى أولئك الذين انغمسوا في الشهوات طوال العام، فلما أقبل عليهم رمضان تابوا وأنابوا وغيّروا حياتهم، وتوجهوا إلى الله بقلب مخبت منيب، مقلعين عن كل الذي كانوا عليه.
أهل الجوائز.. جوائز.. نعم الذين سيخرجون يوم العيد لاستلام جوائزهم من الملائكة على ما وفقهم الله من طاعة وعبادة، لا أحد يستطيع تقييمها وتقديرها، وأنَّى لهم ذلك؟! وقد جعل الله -تعالى- جزاء الصوم غير معلن وجعله أمرًا خاصًّا له، كما جاء في الحديث "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به..." الحديث.
سيخرج الجميع إلى مصليات العيد لاستلام الجوائز.. جوائز الفوز والفلاح.. ببالغ الفرح والسعادة والبهجة.
ولا يعلمون أو يتوقعون أبدًا بأن المجرمين سيكونون لهم بالمرصاد.
في تلك اللحظات -لحظات صلاة الفجر والعيد- ستكون لحظات التقاء أفراد العصابة وأكبر وأهم قادتها، وفي عناق حار جدًّا سيلتقون جميعًا (فسقة وعصاة بني آدم مع مردة الشياطين) بعد فراق طويل دام ثلاثين ليلة، سينطلقون لتنفيذ الخطة المرسومة، وستبدأ ارتكاب أكبر مجازر القتل والسلب والنهب في وقت يعدّ هو الأغلى والأفضل لفئات المؤمنين والمسلمين، وسيستخدمون لهذه الغاية مختلف الأسلحة وأقواها وأشرسها، متركزة -وبلا شك- في سلاح قوي فتّاك حذر منه الرسول كثيرًا، ألا وهو (فتنة النساء)، وغيرها من الأسلحة الفتاكة.
ستخرج النساء إلى صلاة العيد وهن قمة في الزينة والتبرج والعطور والسفور، فتكون أولى جرائم قتل العفاف وغض البصر وفتنة القلوب.
وسيختلط الحابل بالنابل، وسيشتد الزحام في الطرقات وفي المصليات والمساجد بحجة أنه العيد، فينصرف تركيز المصلين شبابًا ورجالاً، ونساءً وفتياتٍ إلى متابعة ألوان الزينة وعروض الأزياء والجمال التي تمر بهم، أو تجلس بجوارهم، أو حولهم. وليت أحدًا منهم يدري كم صلى أو ماذا قال الإمام في خطبة العيد!
ثم يتزايد الزحام وتعلوا أصوات الشجار والسباب والمضاربات، فيقتل خشوع رمضان وهدوء الأعصاب، وتملُّك النفس عند الغضب.
ثم ينصرف الجميع إلى منازلهم وعوائلهم، وإذا بهم على موعد مع امتداد آخر للجرائم؛ اختلاط عائلي أو جيراني أو لكامل المجتمع.. صبية وبنات.. رجال ونساء.. لعب ومهرجانات.. تسالي.. أفراح.. غناء.. رقص.. وربما خمور ومخدرات.. سهرات غنائية تلفزيونية، أو حية في كل مكان هنا وهناك.
سينطلق أرباب الشهوات وسينفكون من أغلالهم فارين كما تفر الإبل من عقالها إلى شهوة عارمة ربما لم يشعروا بها من قبل، فينطلق أهل الزنا إلى زناهم أضعافًا مضاعفة، وأهل الخمور إلى سكرهم أيامًا وليالي.. وأهل المجون والخنا والغناء والرقص إلى عالم آخر من البهجة والسعادة على انقضاء شهر الحبس والكبت والمنع.. فتفتح المحلات والحانات والمراقص أبوابها وأحضانها وفسقها ومجونها، ونساء ورجال السوء فيها.
الكل سعيد بالعيد، ولكن شتّان بين سعيد وسعيد! شتّان بين سعيد على توفيق الله، وبين سعيد بالتحرر والفكاك من شرع الله!!
وأخيرًا لكل من أعتقد أنه قد جمع من الكنوز شيئًا يقربه إلى مولاه، وإلى كل من وثق في أنه تاب وأناب، وإلى المحرمات والمعاصي والفتن قد أغلق ألف باب وباب، أقول منبهًا:
انتبه! فكل ذلك معرض للقتل والسلب ومنذ اللحظات الأولى التي تلي رمضان، بدءًا من صلاة العيد، ومرورًا بأيامه ولياليه، وانتهاء بآخر الأيام.
سيقتل لكم هؤلاء المجرمون كل ما حصلتم عليه، وجاهدتم أنفسكم ثلاثين ليلة عليه.
حصيلة الإيمان والتقوى.. وطُهر القلوب.. وعفاف النفس.. وغض البصر.. وقيام الليل.. وتلاوة القرآن.. والعزيمة للعبادة.. والفتور عن المعصية.. والسباق إلى المساجد.. وحجاب وعفاف النساء.. اختيار الألفاظ.. البعد عن خطوات الزنا والشيطان.. اهتمام بالمفيد واستغلال الوقت... إلخ.
سيغرقونكم في الشهوات والملذات لمدة أربعة أيام فقط بلياليها، فإذا هم يجهزون على مجهود الشهر كاملاً.
وأخيرًا، أيها الأخوة والأخوات.. المؤمن إذ يفرح بالعيد فإنما يفرح على ما أكرمه الله به من إتمام موسم الخير والغفران والرحمة والجنان، فإذا كان يوم العيد خرج لاستلام الجوائز والمكافأة على ذلك العمل، والتوفيق من الله بنفس حريصة ومتوثبة للاستمرار في التوبة والطاعة وتصحيح الحياة.
وإذا أردنا استمرار كل شيء وعدم ضياع كل أعمالنا هباء منثورًا، علينا الانتباه من هؤلاء المجرمين، وحماية أنفسنا وأهلينا من جرائمهم، وعدم مساعدتهم في تحقيق أهدافهم بسهولة وذلك بتوفير الجو المناسب لهم؛ فالفرح بهذا العيد يكون بما يرضي الله.
فليتق الله النساء، وليخرجن بكامل الحجاب والحياء والوقار، وبدون أي سفور أو تبرج أو عطور أو مخالطة ومزاحمة للرجال.
ولتتق العوائل الله، وليمنع الاختلاط العائلي الذي فيه أحلى عروض الأقرباء والقريبات... فتيات قمة في الجمال والزينة، وشباب قمة في الأناقة والشهوة.. ونار مستعرة بجوار مستودع وقود، فإذا اندلعت النيران وأتت على الأخضر واليابس، قلنا: ليت الذي جرى ما كان.
ولنستمر على نفس الطاعة والتقوى.. ولا يُلقى كتاب الله على أعلى رفٍّ في انتطار رمضان تلو رمضان، ولنستمر في تعهده طوال العام.
وللذين أصلحوا علاقتهم مع بيوت الله والمساجد في رمضان، لماذا يعودوا للهجر والنسيان؟! فالله موجود في كل زمان ومكان، وبيوته سبحانه تستقبلكم في كل الأيام.
وإلى الذين تعودوا غض البصر واستغلال الوقت وترك الحرام، كم كانت أيامكم سعيدة مع الله! وكم هي قصيرة أيامكم مع الشيطان! أعمار قصيرة وحياة سريعة تمر مثل سرعة رمضان، فإذا لقيتم الله عوّضكم عن كل ما سلف وكان، بخير الجزاء والعطايا والعرفان.
وبذلك تكون محاربة ومقاومة المجرمين، ودحرهم، ورد كيدهم في نحرهم.
والله المستعان.