بسم الله الرحمن الرحيم . إذا أردت أن تحفظ القرآن وتحصل على سند ، ما عليك سوى الاتصال بنا . كما يمكنك الحفظ معنا عبر الإنترنت
إذا أردت دراسة أحد علوم اللغة أو أحد المواد الشرعية فقط راسلني .::. إذا أردت إعداد بحث لغوي أو شرعي فنحن نساعدك بإذن الله

language اللغة

English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

اذكر الله

01‏/09‏/2011

عدة جرائم قتل سترتكتب في هذا العيد ... فاحذر !!



عدة جرائم قتل سترتكب في هذا العيدفي لحظات يترقب فيها الجميع طلقات مدافع العيد السعيد.. وفي لحظات انهماك الناس في الإعداد والتجهيز الفردي والأسري والعائلي لهذا العيد.. ووسط انهماك الناس بأفراحهم العارمة، سيكون هناك لقاء آخر لا يعلم عنه الكثير.

لقاء مخطَّط له سلفًا تنتظره عصابة من المجرمين بفارغ الصبر ليهجموا هجمة شرسة كي يسلبوا فيها كل ما يستطيعون من أحمال ثقيلة وخفيفة، وكل ما يقع تحت أيديهم من ممتلكات، ناهيك عن جرائم القتل التي سترتكب في حالة عجزهم عن السلب والنهب والاغتصاب.

نعم، انتبهوا أيها الأخوة والأخوات، لا تنشغلوا وبإفراط في أفراح العيد وتتغافلوا عن هؤلاء المجرمين؛ لأنهم -والله- لن يدعوا صغيرًا ولا كبيرًا، أو فقيرًا أو غنيًّا، ولن ينظروا إليكم بعين الشفقة أو الرحمة.

لأنهم سينتقمون وأيما انتقام.. فهم عصابات من السجناء والأحرار العبيد.

الأخبار تؤكد قرب عملياتهم الشرسة -مع صلاة العيد- ولن يدعوا أخضر ولا يابس، مستغلين فيها براءة الناس وخروجهم من موسم الخير والإيمانيات، والعفوية والصدق ونبل الأخلاق.

نعم، لا أحد سيصدق الذي سيحدث.. لا أحد يتوقع.. بل ولا أحد سينتبه حتى بعد وقوع الكارثة.

أهل الإيمان والتقوى والصيام والقيام الذين عكفوا وعمروا مساجد الله طوال ليالي رمضان.

وكذلك النساء الصالحات اللواتي عكفن شهرهن بين طاعة، وتقوى، وتجهيز وإعداد لأسرهن؛ كسوتهم وفطورهم وسحورهم.

أهل النفوس الخاشعة التي كم بكت وتابت، وأنابت واستغفرت في رمضان.

أهل القرآن وخاصته الذين ختموا القرآن المرة تلو المرة، وحفظوا منه ما يسر الله لهم.

أهل الإمساك عن النظر الحرام، وفضول الكلام، والغيبة، والنميمة، والكذب، والحرام.

الصالحون والصالحات والقانتون والقانتات والذاكرون الله كثيرًا والذاكرات.

بل وحتى أولئك الذين انغمسوا في الشهوات طوال العام، فلما أقبل عليهم رمضان تابوا وأنابوا وغيّروا حياتهم، وتوجهوا إلى الله بقلب مخبت منيب، مقلعين عن كل الذي كانوا عليه.

أهل الجوائز.. جوائز.. نعم الذين سيخرجون يوم العيد لاستلام جوائزهم من الملائكة على ما وفقهم الله من طاعة وعبادة، لا أحد يستطيع تقييمها وتقديرها، وأنَّى لهم ذلك؟! وقد جعل الله -تعالى- جزاء الصوم غير معلن وجعله أمرًا خاصًّا له، كما جاء في الحديث "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به..." الحديث.

سيخرج الجميع إلى مصليات العيد لاستلام الجوائز.. جوائز الفوز والفلاح.. ببالغ الفرح والسعادة والبهجة.

ولا يعلمون أو يتوقعون أبدًا بأن المجرمين سيكونون لهم بالمرصاد.

في تلك اللحظات -لحظات صلاة الفجر والعيد- ستكون لحظات التقاء أفراد العصابة وأكبر وأهم قادتها، وفي عناق حار جدًّا سيلتقون جميعًا (فسقة وعصاة بني آدم مع مردة الشياطين) بعد فراق طويل دام ثلاثين ليلة، سينطلقون لتنفيذ الخطة المرسومة، وستبدأ ارتكاب أكبر مجازر القتل والسلب والنهب في وقت يعدّ هو الأغلى والأفضل لفئات المؤمنين والمسلمين، وسيستخدمون لهذه الغاية مختلف الأسلحة وأقواها وأشرسها، متركزة -وبلا شك- في سلاح قوي فتّاك حذر منه الرسول  كثيرًا، ألا وهو (فتنة النساء)، وغيرها من الأسلحة الفتاكة.

ستخرج النساء إلى صلاة العيد وهن قمة في الزينة والتبرج والعطور والسفور، فتكون أولى جرائم قتل العفاف وغض البصر وفتنة القلوب.

وسيختلط الحابل بالنابل، وسيشتد الزحام في الطرقات وفي المصليات والمساجد بحجة أنه العيد، فينصرف تركيز المصلين شبابًا ورجالاً، ونساءً وفتياتٍ إلى متابعة ألوان الزينة وعروض الأزياء والجمال التي تمر بهم، أو تجلس بجوارهم، أو حولهم. وليت أحدًا منهم يدري كم صلى أو ماذا قال الإمام في خطبة العيد!

ثم يتزايد الزحام وتعلوا أصوات الشجار والسباب والمضاربات، فيقتل خشوع رمضان وهدوء الأعصاب، وتملُّك النفس عند الغضب.

ثم ينصرف الجميع إلى منازلهم وعوائلهم، وإذا بهم على موعد مع امتداد آخر للجرائم؛ اختلاط عائلي أو جيراني أو لكامل المجتمع.. صبية وبنات.. رجال ونساء.. لعب ومهرجانات.. تسالي.. أفراح.. غناء.. رقص.. وربما خمور ومخدرات.. سهرات غنائية تلفزيونية، أو حية في كل مكان هنا وهناك.

سينطلق أرباب الشهوات وسينفكون من أغلالهم فارين كما تفر الإبل من عقالها إلى شهوة عارمة ربما لم يشعروا بها من قبل، فينطلق أهل الزنا إلى زناهم أضعافًا مضاعفة، وأهل الخمور إلى سكرهم أيامًا وليالي.. وأهل المجون والخنا والغناء والرقص إلى عالم آخر من البهجة والسعادة على انقضاء شهر الحبس والكبت والمنع.. فتفتح المحلات والحانات والمراقص أبوابها وأحضانها وفسقها ومجونها، ونساء ورجال السوء فيها.

الكل سعيد بالعيد، ولكن شتّان بين سعيد وسعيد! شتّان بين سعيد على توفيق الله، وبين سعيد بالتحرر والفكاك من شرع الله!!

وأخيرًا لكل من أعتقد أنه قد جمع من الكنوز شيئًا يقربه إلى مولاه، وإلى كل من وثق في أنه تاب وأناب، وإلى المحرمات والمعاصي والفتن قد أغلق ألف باب وباب، أقول منبهًا:

انتبه! فكل ذلك معرض للقتل والسلب ومنذ اللحظات الأولى التي تلي رمضان، بدءًا من صلاة العيد، ومرورًا بأيامه ولياليه، وانتهاء بآخر الأيام.

سيقتل لكم هؤلاء المجرمون كل ما حصلتم عليه، وجاهدتم أنفسكم ثلاثين ليلة عليه.

حصيلة الإيمان والتقوى.. وطُهر القلوب.. وعفاف النفس.. وغض البصر.. وقيام الليل.. وتلاوة القرآن.. والعزيمة للعبادة.. والفتور عن المعصية.. والسباق إلى المساجد.. وحجاب وعفاف النساء.. اختيار الألفاظ.. البعد عن خطوات الزنا والشيطان.. اهتمام بالمفيد واستغلال الوقت... إلخ.

سيغرقونكم في الشهوات والملذات لمدة أربعة أيام فقط بلياليها، فإذا هم يجهزون على مجهود الشهر كاملاً.

وأخيرًا، أيها الأخوة والأخوات.. المؤمن إذ يفرح بالعيد فإنما يفرح على ما أكرمه الله به من إتمام موسم الخير والغفران والرحمة والجنان، فإذا كان يوم العيد خرج لاستلام الجوائز والمكافأة على ذلك العمل، والتوفيق من الله  بنفس حريصة ومتوثبة للاستمرار في التوبة والطاعة وتصحيح الحياة.

وإذا أردنا استمرار كل شيء وعدم ضياع كل أعمالنا هباء منثورًا، علينا الانتباه من هؤلاء المجرمين، وحماية أنفسنا وأهلينا من جرائمهم، وعدم مساعدتهم في تحقيق أهدافهم بسهولة وذلك بتوفير الجو المناسب لهم؛ فالفرح بهذا العيد يكون بما يرضي الله.

فليتق الله النساء، وليخرجن بكامل الحجاب والحياء والوقار، وبدون أي سفور أو تبرج أو عطور أو مخالطة ومزاحمة للرجال.

ولتتق العوائل الله، وليمنع الاختلاط العائلي الذي فيه أحلى عروض الأقرباء والقريبات... فتيات قمة في الجمال والزينة، وشباب قمة في الأناقة والشهوة.. ونار مستعرة بجوار مستودع وقود، فإذا اندلعت النيران وأتت على الأخضر واليابس، قلنا: ليت الذي جرى ما كان.

ولنستمر على نفس الطاعة والتقوى.. ولا يُلقى كتاب الله على أعلى رفٍّ في انتطار رمضان تلو رمضان، ولنستمر في تعهده طوال العام.

وللذين أصلحوا علاقتهم مع بيوت الله والمساجد في رمضان، لماذا يعودوا للهجر والنسيان؟! فالله موجود في كل زمان ومكان، وبيوته سبحانه تستقبلكم في كل الأيام.

وإلى الذين تعودوا غض البصر واستغلال الوقت وترك الحرام، كم كانت أيامكم سعيدة مع الله! وكم هي قصيرة أيامكم مع الشيطان! أعمار قصيرة وحياة سريعة تمر مثل سرعة رمضان، فإذا لقيتم الله عوّضكم عن كل ما سلف وكان، بخير الجزاء والعطايا والعرفان.

وبذلك تكون محاربة ومقاومة المجرمين، ودحرهم، ورد كيدهم في نحرهم.

والله المستعان.

حديث العيد للشيخ علي الطنطاوي


حديث العيد للشيخ علي الطنطاوي
عيد الفطر
أرأيتم الجيش يوم العرض؟ حيثُ يَمرُّ الجنود متتابعين متشابِهين، مشيتُهم واحدة، ولبستُهم واحدة، لا يَمتاز فرْدٌ منهم عن فرْدٍ، ثُمَّ يأتِي ضابطٌ أو رئيس، يَختال في مشيته، ويُزْهي بأوْسِمَته، فينتبه النَّاس إليه، وتنصب الأنظار عليه؟

كذلك الأيام يا إخوان؛ إنَّها تَمُرُّ متتابعة متشابِهة، لا يكادُ يَختلِف يوم منها عن يوم، ثُمَّ يأتي العيدُ فتراه يومًا ليس كالأيام، وترى نهاره أجمل، وتحس المتعة به أطول، وتبصر شمسَه أضوَأ، وتَجِدُ ليلَه أهنأ، وما اختلفتْ في الحقيقة الأيَّام في ذاتِها، ولكن اختلف نظَرُنا إليْها، نسينا في العيد متاعِبَنا فاستَرَحْنا، وأبعدنا عنَّا آلامَنا فهنِئْنا، وابتسمْنا للنَّاس وللحياة فابتسمتْ لنا الحياة والنَّاس، وقُلْنا لِمن نلقى أطيب القول: كلَّ عام وأنتم بخير، فقال لنا أطيب القول: كل عام وأنتم بخير[1].

كنَّا كالمسافر يَجتاز بالدنيا مسرعًا، فيُبْصِر الدُّور والمساكن، وكلَّ ما على الطريق، لكن لا يستوعِبُه.. فإذا تَمَهَّلْنَا، رأَيْنا جَمالها، واستمْتَعْنا بِحُسْنِها. وما الحياة إلا سفرٌ، وما نحن إلا ركبُ الحياة، ولكنَّنا نغمِضُ عيونَنا عن جَمال الرَّوْضِ، وبَهاء الينبوع، وفتنة الوادي، ولا ننظُر إلا إلى الغاية.. والغاية المال، فنَحْنُ أبدًا نركُض وراء المال، نُفِيقُ فنُسْرِع إلى الديوان أو إلى السوق نفتِّش عن المال، أمَّا النَّفس فلا نَخلو بِها، أمَّا الطبيعية فلا ننظر إليها، ثم إنا نقطع أجْمل مراحل الطريق، وهي مرحلة السحر من كل يوم ونَحن نيام.

ويوم العيد هو اليوم الذي ننسى فيه المال ساعات معدودات لنُفَتِّش عن الجمال، فلذلك كان هذا اليوم عيدين، ولو فعلنا ذلك كل يوم لكانت أيامُنا كلُّها أعيادًا.

والأعياد إمَّا أن تكون أعيادًا للدين، لذكريات دينية، تتصل بالعقيدة، وتنبثق عن الإيمان، وتكون ذكرًا وعبادة، يتوجَّه فيه الناس إلى ربِّهم، ويُقيمون شعائرهم في معابدهم، ويتبعون فيه أوضاعًا وأحوالاً، أمرهم بها دينهم، أو حسبوا أنه أمرهم بها، وأكثر أعياد الناس أو كلها، إنَّما كانت من الأعياد الدينية، سواء في ذلك الأمة التي تدين دين الحق، والأمم التي تدين أديان الباطل.

وإما أن تكون أعيادًا وطنيَّة، ذكريات أحداث جسام كان لها في حياة الأمة أثر، أو معارك مظفرة، أو أعمال لهذه الأمة باهرة، كأعياد الاستِقْلال، وأعياد إقامة الدول.

وأعياد للفن والرياضة يحتشد لها الناس، ويتبارى فيها أرباب اللُّسُن والفصاحة وأصحاب القوَّة والبراعة. وربَّما صحب ذلك بيع وشراء وربح وتجارة، كأعياد الأولمبياد عند اليونان، وسوق عكاظ عند العرب.

وأعياد رجال عظام يجتمع الناس لحياء ذكراهم، وتلاوة سِيَرِهم، وزيارة بقاياهم وآثارهم، ولكلِّ أمَّة من ذلك أيَّام غر مشهرات.

وأعياد هي مواسم للطبيعة، كأعياد الربيع في كل بلاد الغرب، حيثُ تلبَسُ المُدُن حُلَّة من الورد، وتُعْرَض فيها مواكب الزهر، قد جَمعت في هذه المواكب زهرات الحقول، زهرات البيوت والقصور، وربَّما فرشوا الشَّارع كلَّه ببساط من الفُلِّ والزنبق والياسمين والنسرين، مزخرف منقوش[2]، ومن ذلك يوم النيروز أيَّام بني العباس، وعيد شمِّ النسيم في مصر، وقد كانت بلدان الشام تُعْنَى في القرن الماضي بمثل هذا العيد، فتبتغي فيه المتع المباحات والمسرات، من غير أن تكشف العورات، ولا أن تأتي المحرمات.

وأعياد اللهو واللعب، كأيام المساخر (الكرنفال).

والإفرنج يمزجون هذه الأعياد كلها، مزيجًا عجيبًا، فلا يخلو عيد الدين كيوم مولد المسيح عليه السلام من أن يبدأ بالكنيسة، وينتهي في الملهى، ولا يَخلو عيد الوطن من مظاهر الدين، وكلُّ شيء عندهم يدخل فيه الدين، حفلات تتويج ملكة الإنجليز تكون في الكنيسة، وتتمُّ على يد الأسقف الأكبر، وحفلة الربيع يباركها الخوري، وكل شيء لا بدَّ له من هذه البركة، حتَّى إنزال السفينة الجديدة إلى البحر، أو حفلة توزيع الشهادات في أوكسفورد.

هذه هي أعياد الناس، فما هو مكان عيدنا من هذه الأعياد؟

إنَّ لنا في الإسلام عيدَيْنِ، لا ثالثَ لَهما، وإن لم يكن ما يَمنع من الاحتفال بذكريات الهدى والمجد، احتِفالاً من البدع والمحرمات، ومن تلاوة هذه الأكاذيب التي اشتملت عليها الموالد، وبيوم الهجرة وبيوم بدر، على أن لا تعد أعيادًا دينيًّا؛ لأنَّ الدين لم يشرع لنا إلا هذين العيدين: عيد الفطر، وعيد الأضحى، هذا احتفال ببداية نزول القرآن وإكمال الصيام، وذاك احتفاء باختتام الوحي، وإتمام الدين.

وأعيادنا لله أوَّلاً؛ لأنها أعياد عبادة وتبتُّل، وتوجُّه إلى الله بالشكر والحمد، والطلب والرجاء.

وهي للوطن، (ووطن المسلم كلُّ أرضٍ تعلو فيها كلمة الله وتحكم شريعته)؛ لأنَّها ذكرى أعظم حادث في تاريخ البشرية كلِّها: نزول القرآن في ليلة القدر من رمضان، وتَمامه في حجَّة الوداع من ذي الحجة، وإذا كانت الأمم تحتفل بيوم الدستور، وتجعله عيدًا، فإن يوم نزول التشريع الإلهي الذي أنشأ حضارة تفيَّأت ظلالها الأمم كلها، حقيقٌ أن يكون عيدًا إنسانيًّا، يَحتفل به كل من استفاد من حضارة القرآن.

وهي من أعياد الرجال؛ لأنَّها ذِكْرَى أعظم رجل مسَّت قدمه ظهر هذه الكرة: محمد .

مُحمَّد الذي جاء بالصيام ليعلِّم الأغنياء بذا الجوع الاختياري، أنَّ في الدنيا من يجوع جوعًا اضطِراريًّا، ولولا هذا الصيام ما كان يتصوَّر الأغنياء كيف يكون الجوع، الذي قرَّر المساواة في رمضان حتَّى صار الغني الذي يَملك الملايين يشتهي كسرة الخبز وقطرة الماء، كما يشتهيها الفقير المسكين.

والذي قرَّر المساواة مرَّة ثانية، حين جعل من له من كنوز الأموال، يقف مع السائل الذي لا يجد عشاء ليلة، وهو يلبس لباسًا مثل لباسه، ويقف من عرفة موقفًا مثل موقفه، وينام على الأرض في المزدلفة مثل منامه، ويرمي الجمار في منى وسط الزحمة مثل رميه، وهنالك في ذا الموقف الأكبر الذي لا تعرف البشرية في كل عصورها نظيرًا له، وقف محمد  يقرر الحرية الشخصية، وحريَّة الرأي، وحريَّة المسكن، ويعلن المساواة بين الناس، فلا امتياز لجنس على جنس، ولا لون على لون، ولا أسرة على أسرة، كما يمتاز الناس في أميركا في القرن العشرين، وفي جنوب إفريقية، وإنَّما يتفاضلون بالمزايا الشخصية: بالإيمان والعلم والتقى والأخلاق.

لقد قرَّر ذلك في خطبته التَّاريخية الخالدة، في حجة الوداع، قبل أن تعلنه إنجلترا، وقبل الثورة الفرنسية، وقبل مبادئ ويلسون، وقبل ميثاق الأطلنطي الذي كتبوه على الماء - بأكثر من ألف سنة!

أعلنه إعلانًا حقيقيًّا، تؤيِّدُه وقائعُ الحياة الإسلامية، وأوضاع المجتمع الإسلامي، لا الإعلان الغربي الذي تكذبه شواهدُ الواقع، ومظاهر الحياة في ديار الغرب!

وهي أعيادُ بطولة ورياضة، وما الحياةُ الرياضيَّة إلا حياة الصَّبر والاحتِمال، وألا يَزْدَهِي صاحبُها بالنصر، ولا تَهدُّه الهزيمة، وأن يَستشْعِر الأخوة الرياضية لشركائه في هذا الكفاح، وكل ذلك يتحقَّق على أتَمِّه وأكمله، في صيام رمضان، وفي شعائر الحج.

وهي أعيادُ فرحة ومسرَّة، ولهو شريف، ومتاع حلال، والإسلام ليس دين تزمُّت، ولا يُحارب طبيعة النفوس التي طَبَعَ الله النَّاسَ عليها، ولا يُنافِي الفِطْرَة، ولكنَّه يَمنَعُ ما فيه الضُّر، هذه هي المحرَّمات، فكلُّ لَهٍّو لا مُحرَّم فيه، مطلوب شرعًا إن كان باعتدال وقصد، وإلى الحد الذي يقوي النفس على الخير، ويُنشطها للقيام بما يُحب.

بقيت عليَّ كلِمة واحدة، هي أنَّ حكمةَ رمضان، لا تتمُّ في عيد الفطر إلا إذا شاركتُم الفُقَراءَ في الأَكْلِ والشُّرب، كما شاركْتُموهم في الجُوع والعطش، وكنتُم معهم في لذَّة الوجدان، كما كنتم معهم في لوعة الحرمان، وأن لا تَملئوا أيديَ أولادكم باللعب والسكاكر، وفي بناء جيرانِكم أولاد مثلهم ينظرون إليهم، وأيديهم خالية، وأن تعلموا أنَّ مِمَّا رمَيْتُموه زهدًا به من ثياب أولادكم ما يكون ثوب العيد، وفرحة العمر، لهؤلاء الأولاد، وأنَّ كلَّ غنيٍّ يَجِدُ من هو أغنى منه، وكل فقير يلقَى من هو أفقر منه، والمسائل نسبية، والعصفور نَملةٌ إن قيس بالفيل، ولكنَّه فيل إن قِيسَ بالنملة، فأعطِ مَن هو أفقَرُ منك عشر ليرات، هي عنده مائة ليرة وعندك ليرة، يبعث لك مَنْ يُعْطِيك خَمسة آلاف وهي لك خَمسون ألفًا، وهي عنده عشر ليرات..

وإذا فرَّحت أخاك بعطيتك، فرَّحك الله بعطية من عنده لا تحتسبها ولا ترتقبها وثواب الآخرة أكبر. فاختاروا -يا أيها القرَّاء- مما يفضُل من ثيابكم، وما يزيد من اللعب والسكاكر والحلويات عن أولادكم، فأرسلوه إلى أولاد الجيران الفقراء، دعوهم يعيشوا يومًا واحدًا من السنة، كما تعيشون أنتم كل يوم، ولا تعطوا عطاء الكبر والترفُّع، إعطاء الصدقة، بل إعطاء الصَّداقة، وربَّ بسمةٍ في وجه السائل، أو شدَّةٍ على يده أحبُّ إليْهِ من المال الذي تضَعُه في كفِّه؛ لأنَّ المال يُحْيِي جسدَه وحده، والمال مع الابتسامة يحيي جسده وروحه.

وحينما تخرجون من بيوتكم، فتجدون هؤلاء الأطفال الصغار، الذين كسوتموهم وأعطيتموهم الحلويات واللعب، ينظرون إليكم بعيون تبرقُ بالشُّكر والحب، ويبسِمون لكم بأفواه تشرق بالسعادة والفرح، وتسمعون أمَّهاتِهم يتمنَّين لكم طول العمر، ولأولادكم كمالَ النعم، حينئذ تعلمون أنَّ أعظم لذَّة في الدنيا هي لذَّة الإحسان.

أليس هذا خيرًا من أن تَجِدُوا في عيونِهم نظرات الحسد، وعلى ألسنتهم دعوات الموت والخراب؟

وهنيئًا لكم بعدُ، قبول صيامكم، وهنيئًا لكم أفراح عيدكم، وكل عام أنتم بخير.

حال السلف عند انتهاء شهر رمضان



حال السلف عند انتهاء شهر رمضانها هو شهر رمضان قد انقضى، وها هي أيامه ولياليه قد أزفت على الرحيل! انقضى شهر الصيام والقيام، انتهي شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، انقضى بعد أن هبت على القلوب نفحة من نفحات نسيم القرب من الله ، ووصلت البشارة للمنقطعين بالوصل، وللمذنبين بالعفو، وللمستوجبين النار بالعتق؛ لما سلسل الشيطان في شهر رمضان، فخمدت نيران الشهوات بالصيام.
إن وداع هذا الشهر ليهيج في النفس الأحزان، فكيف يفارق الحبيب محبوبه الذي يخشى أن يكون آخر العهد به؟ وهل نودعه بما يظهره بعضنا من فتور همة، وخمول عزيمة، أم نودعه بما كان يودعه أولو الألباب من عباد الله والصفوة من خلقه سلف هذه الأمة وخيارها، أولئك الذين جمعوا بين الاجتهاد في إتمام العمل وإتقانه، وبين الاهتمام بقبوله بعد ذلك والخوف من ردِّه؟
لقد كان أسلافنا y يظهرون سلوكًا رائعًا مع هذا الشهر المبارك حتى قبل أن يدخل عليهم، إذ "كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان، ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم"[1]. وبعد خروج الشهر المبارك كانوا y يظهرون الأسى والحزن على خروجه، ويحرصون على أن يوصي بعضهم بعضًا على الاستمرار في الطاعة على مدار العام؛ لأن كل الشهور عند المؤمن مواسم عبادة، بل العمر كله موسم طاعة.
خرج عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- في يوم عيد فطر، فقال في خطبته: "أيها الناس، إنكم صمتم لله ثلاثين يومًا، وقمتم ثلاثين ليلة، وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم". وكان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر، فيقال له: إنه يوم فرح وسرور. فيقول: صدقتم، ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملاً، فلا أدري أيقبله مني أم لا؟
ورأى وهب بن الورد قومًا يضحكون في يوم عيد، فقال: إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين. وعن الحسن قال: إن الله جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون.
وروي عن علي t أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنِّيه، ومن هذا المحروم فنعزِّيه! وعن ابن مسعود أنه كان يقول: من هذا المقبول منا فنهنِّيه، ومن هذا المحروم منا فنعزيه، أيها المقبول، هنيئًا لك! أيها المردود، جبر الله مصيبتك"[2].
أيها الأخ الصائم، انظر إلى أسلافك كيف كان حالهم عند خروج رمضان! وكيف كان حزنهم على فراق هذا الشهر المبارك، ولك فيهم أسوة؛ فاجتهد في هذا الشهر، وليكن هذا الاجتهاد مؤثرًا فيك في بقيَّة عمرك، وسَلْ نفسك سؤالاً هو: ماذا استفدت من رمضان؟ وهل أحدث رمضان تغييرًا في نفسك وسلوكك؟
نسأل الله  أن يتقبل منا الصيام والقيام.

أطفالنا بعد رمضان ... حوار شيق بين الأب والأبناء



أطفالنا بعد رمضانجلس تامر وأفنان مع والديهما، في غرفة المعيشة، يتناولون طعام الغداء، بعد أن ولى رمضان وانتهى العيد، فقالت أفنان لوالدها: (أبي، لماذا لا يأتي رمضان إلا مرة واحدة في العام؟). فرد الأب قائلاً: (أراكِ قد تعلقتِ بهذا الشهر المبارك، يا أفنان). فبادرها تامر بالإجابة قائلاً: (بالفعل يا أبي، فلقد كنا فيه نتسابق في الطاعة ونشجع بعضنا على الصلاة والصيام). فقال الوالد محذرًا: (نعم، ولكن اعلما أن الله تعالى يقبل العمل في رمضان وفي غير رمضان أيضًا، وأن رب رمضان هو رب شوال وسائر الشهور الأخرى).
عزيزي المربي، هذا الحوار البسيط الذي دار بين أحد الآباء وأبنائه، هو ما يعبر عن ما يعتمل في صدور الكثير من الأبناء، حتى وإن لم تترجمه ألسنتهم إلى ألفاظ وعبارات صريحة، ولكنهم يشعرون أن رمضان قد ولَّى، ومضى معه كل ما كان فيه.
نعم عزيزي المربي، مضى شهر القرآن، وولَّى شهر التسابق في الخيرات، ولكن عليك أن تُعلِّم أبناءك أن رمضان ليس موسمًا للطاعة أتى وانفض، وذهبت معه الطاعة، بل رمضان هو شهر التغيير.
المصدر: موقع مفكرة الإسلام.

مقال ( أسوأ الافتراضات ) عبدالرحمن يوسف


مقال ( أسوأ الافتراضات ) عبدالرحمن يوسف 1-9-2011 م

 ما زال بعض أصدقائى من الناشطين السياسيين ومن غير المسيسين ينظرون للأوضاع التى تمر بها مصر بشكل شديد السوداوية، ويرون أنه لا جديد تحت الشمس، ويرون أن ثورة يناير ليست إلا حدثا عابرا، ولم تفعل شيئا يذكر، ولن تفعل شيئا سوى أنها ستستبدل ديكتاتورا بديكتاتور، وأن الأمة المصرية ستعود إلى قواعدها سالمة ولكن بخفى حنين، كما يقول المثل .

يتجاهل البعض أن هناك طريقا طويلا قد سار فيه المجتمع كله، وأن السير فى هذا الطريق باتجاه واحد، إلى الأمام، ولا يوجد تراجع فيه أبدا، ولا توجد فيه إمكانية للسير عكس الاتجاه.

إنه طريق الحرية.

لا يمكن أن تتراجع قوة المجتمع الهادرة التى سارت فى طريق الثورة حتى أسقطت ديكتاتورا يتحكم فى كل شىء هو ونظامه وكأنهم أعجاز نخل خاوية .

إن أسوأ الافتراضات التى ستحدث هو أننا سنمر بفترة انتقالية يحكمنا فيها نصف ديكتاتور، وستكون نهاية هذه الحقبة أن مصر – بطبيعتها الولادة – ستنجب زعيما أو تيارا أو حزبا أو حركة، أو مجموعة من الحركات والأحزاب، تستطيع أن تكتسب ثقة الناس وأصواتهم، وتعبر بهم نحو الديمقراطية المتكاملة.

لقد اقتحمنا العقبة، وأسقطنا أسطورة الديكتاتور، وقتلنا فكرة الفرعون، وهدمنا صرح الأوهام الذى بناه الأمن، وأصبح غالبية الشعب المصرى يعلم أن الحكومة التى تعرف كل شىء، وتسيطر على كل شىء، ما هى إلا وهم كبير صنعه مجموعة من ضباط أمن الدولة العجزة الكذابين .

لا شىء يستطيع أن يوقف هذا الجيل الذى بدأ زحفه نحو النور، إنه جيش من النمل تمكن من التهام فيل من الأوهام، وهذا ما كنت أقوله قبل قيام الثورة، وقاله غيرى، وسيقوله الآن ملايين الشباب المصرى النابه .

إن أسوأ الافتراضات التى قد تحدث فى مصر أنها ستتأخر قليلا قبل أن تصل إلى الوضع الديمقراطى الأمثل .

أما إعادة عجلة التاريخ للوراء، فهى وهم أكبر من وهم الدولة المستبدة نفسها!


مقال ( مميزات الرئيس المخلوع ) عبدالرحمن يوسف



مقال ( مميزات الرئيس المخلوع ) عبدالرحمن يوسف 31-8-2011 م

 

 يحاول بعض المأجورين، وبعض حسنى النوايا من المخدوعين، أن يثبتوا للرئيس المخلوع ونظامه شيئا من الفضل على هذا البلد، ويحاول هؤلاء أن يعلمونا أن هناك بعض المميزات للنظام المخلوع.

وأنا أحب أن أبين أولا، أن الشر المطلق لا وجود له فى الدنيا، وأن أسوأ الأشياء فى الدنيا، وأسوأ الرذائل تحتوى على بعض الخير فيها، ولكن ذلك لا يعنى أنها ليست رذائل، ولا يعنى أننا لسنا مطالبين بتجنبها.

قال تعالى فى كتابه الكريم: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ».

أى أن الله سبحانه وتعالى اعترف بأن الخمر – وهى فى الإسلام أمُّ الخبائث – فيها بعض المنافع، واعترف كذلك بأن المَيْسِر الذى هو أساس تحريم كل العقود غير الشرعية – بالإضافة للربا- فيه بعض المنافع، ولكن ليس معنى ذلك أنهما حلال.. لماذا؟

الجواب فى نفس الآية، التى قال فيها الحق سبحانه: «وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا».

أى أن العبرة بكـَمِّ المنافع، وكـَمِّ المفاسد التى توجد فى الشىء الواحد، وإذا زادت المفاسد على المنافع، صار خبيثا، محرما فى الشرع.

بنفس هذا المنطق أقول لكل من يزعم أن فى نظام مبارك بعض المنافع، إن منافع رئيسك المخلوع كمنافع الخمر، وبالتالى، هى منافع مهدرة، لا اعتبار لها فى نظر الشرع، ولا احترام لها فى نظر العقلاء.

لقد قام هذا المخلوع بإفساد الإنسان، وإذلال الشعب، وإمراض وإفقار وتجهيل الغالبية العظمى من المصريين، بالإضافة إلى الخضوع لإرادة القوى المعادية لمصر، وإهدار كل مقومات الأمن القومى.

إذا كان هذا المخلوع قد دمر بلدا بكامله لمدة ثلاثين عاما، فمن الغباء أن نذكر له أنه قد أقام بعض الجسور، أو أنه أقام مكتبة الإسكندرية، أو أنه أنشأ مترو الأنفاق، أو أن مصر أحرزت فى عهده الميمون كأس الأمم الأفريقية عدة مرات متتالية.

هذه ليست إنجازات بالنسبة لبلد كمصر، وهى تعتبر منافع مهدرة، تماما كمنافع الخمر...!