بسم الله الرحمن الرحيم . إذا أردت أن تحفظ القرآن وتحصل على سند ، ما عليك سوى الاتصال بنا . كما يمكنك الحفظ معنا عبر الإنترنت
إذا أردت دراسة أحد علوم اللغة أو أحد المواد الشرعية فقط راسلني .::. إذا أردت إعداد بحث لغوي أو شرعي فنحن نساعدك بإذن الله

language اللغة

English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

اذكر الله

06‏/09‏/2011

مقال ( المحامون الكوايتة (1-2) عبدالرحمن يوسف


مقال ( المحامون الكوايتة (1-2) عبدالرحمن يوسف 6-9-2011 م

 

 

المقال منشور بجريدة اليوم السابع 6-9-2011 م 

بادئ ذى بدء لا أحب أن يسىء شخص ما لشعب كامل، لذلك أحب أن أنوه بأن كلامى عن أى شعب من الشعوب العربية لا أقصد به التعميم، وأنا شخصيا لى أصدقاء فى كل الدول العربية أعتز بهم، وأحترمهم، ولى أصدقاء فى الكويت أعتبرهم من خيرة الناس. 

ولكن ذلك لن يمنعنى أن أعلق على مسألة ترافع بعض المحامين الكويتيين عن الرئيس المخلوع مبارك. الأرض امرأة، والشعوب تتعامل مع أرضها – دائما – على أنها امرأة.

الشعوب الأصيلة العريقة تتعامل مع أرضها على أنها أم رؤوم، فيبذلون فى سبيلها كل غال ونفيس، ويدافعون عنها بالروح إن احتاجتهم، ولا يسمحون لأى غريب أو أجنبى بالتطاول عليها، أو أن يمسها بسوء.

هناك شعوب تتعامل مع أرضها بشكل آخر، تتعامل معها على أنها امرأة رخيصة، لذلك ترى غالبية هذه الشعوب يبيعون هذه المرأة «الأرض» إذا احتاجت لهم، فيرمونها بعد أن قضى كل منهم وطره!

غالبية شعب الكويت ترك أرضه وهرب إلى باريس ولندن والقاهرة حين احتلت، وكما قلت، هذا كلام لا يجوز تعميمه، لأن هناك محترمين من الكويتيين بقوا فيها، وقاوموا ببعض أشكال المقاومة.

لذلك لا أحب أن أرى محاميا كويتيا يعطى المصريين درسا فى الوطنية والشرعية وحقوق الإنسان، لأن التاريخ لا يعطيه فرصة أن يقف أستاذا فى هذا المجال، خصوصا مع الشعب المصرى.

لا أحب كذلك أن أرى محاميا كويتيا يتحدث عن الرئيس الشرعى لمصر، لأن هذه الأمور لا يصح أن يتحدث فيها كل من هب ودب.

أنا أجزم أن الكويتيين المحترمين لن يقبلوا بهذا المشهد الذى رأيناه، وأنا متأكد من أننا سنرى محامين كويتيين يدافعون عن أسر ضحايا الشهداء المصريين الذين قتلهم مبارك، ليرفعوا عن الكويت هذه المنقصة.

إن التصرف الأمثل فى مثل هذه اللحظة للكويتيين أن يتحلوا بصفتين: الصفة الأولى هى الحياء، والصفة الثانية هى الذكاء.

لماذا ينبغى أن يتحلى الكويتيون بهاتين الصفتين؟

نكمل غدا بإذن الله.


منهجية الإصلاح في الإسلام بين الأُمَّة والأئمة


منهجية الإصلاح في الإسلام بين الأُمَّة والأئمة
   alt
أ.د. صلاح الدين سلطان
  
كنت ولا زلت أتعجب لهذه المكانة العالية التي رفع الله بها أهل العلم إلى مصافِّ الملائكة فقال سبحانه: "شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (آل عمران: 18)، ورفع لهم الدرجات فقال سبحانه: "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ" (المجادلة: 11)، وعُدْتُ إلى أرض الواقع بكل آلامه وشجونه وما نعانيه من أزمة تخلف وتبعية وذل ومهانة، وتمزق وتفرق، وتحلل وتحجر، واستيراد واستهلاك، وإسراف وتبذير، وظلم واستعباد، وتدنٍ في الأخلاق، وتسابق في التفاهات، وضياع للضروريات وانفراط في الترفيات، وفقر وجهل ومرض، وعصبية وتطرف، وعنف وغلو، واحتلال أرض فلسطين، وإخراج 6 ملايين من ديارهم، وأسْر 11 ألف رجلاً وامرأة وطفلاً، وتهويد القدس والأنفاق تحت المسجد الأقصى هذا بالإضافة إلى 8 مليون من الأيتام والأرامل خلَّفهم الاحتلال وأعوانه في أرض الرافدين، وبحر الدماء الذي يسيل ثجاجًا في أفغانستان وباكستان والصومال والسودان واليمن، هذا كله جعلني أتساءل بحرقة أين الخلل؟! ومن المسؤول عن هذه الأزمات؟! وإذا كان منطق العقل يقتضي أن هناك جزءًا من المسؤولية على كل مسلم في الأرض، فلا يعفى أحد من المسؤولية، ولكن يبقى السؤال مَنْ المسئولون الأوُّل هل الحكام؟! أم العلماء؟! أم العوام؟!  

المسئولون الأوُّل هم العلماء
 
وقد انتهى بي التفكير إلى أن المسؤولين الأُوَل هم العلماء قبل الأمراء وعموم الأمة، وذلك لأن علماء الأمة الإسلامية هم عقلها الواعي، وقلبها الحي اليَقظ، ولسانها المعبِّر عن تطلعاتها وآلامها، فقد احتلوا موقع الرأس من جسمها، وتربصوا على عروش قلوبها في كل مراحل العافية فيها كما تدل على ذلك النصوص الشرعية والحقائق التاريخية.
لقد أنيط بهم وحدهم حفظ الرسالة بيضاء نقية وقيادة الأمة فكريًا، كما أنيط بهم أن يكونوا الرقيب والناصح لأصحاب الولايات العامة، وأن يتحملوا قيادة الأمة عمليًا عند فساد الأجواء، لذلك كانت حملة الظالمين عليهم أشد، واستهدافهم لشراء ذممهم أعظم وأخطر، ولكن النص المعصوم من الكتاب والسنة دلَّ على أن بقية الخير فيهم قائمة إلى يوم الدين، لتبقى الحجة بهم قائمة على الخلق ما بقيت على الأرض حياة، كما قال الله تعالى: "أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ" (آل عمران: 89).

وعندما عُدْتَ أتأمل في هذه الشريحة بشكل خاص وجدت كمًا هائلاً من العلماء الذين عندهم وفرة كبيرة جدًا في العلم والتفسير والحديث والفقه والعقيدة وهم ليسوا عشرات الآلاف بل مئات الآلاف سواء كانوا أئمة متخصصين أو بالممارسة الدعوية ومع ذلك أمتنا راكدة والواجب أن تكون رائدة شاهدة على العالم كله! كما قال تعالى: "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا" (البقرة: 143).
رجعتُ إلى سيد العلماء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فوجدتُ أن سيدنا إبراهيم قد دعا ربه كما قال سبحانه: "رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (البقرة:129)، فأجابه ربه تعالى بقوله: "كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ" (البقرة: 151)، فوجدتُ أن العلم والتلاوة لابد أن يصاحبهما تزكية لأن العلم يعالج الشبهات لكن مجاهدة النفس هي التي تعالج الشهوات وترسخ الإيمان في القلوب وأول قوم يجب أن يبالغوا ويجتهدوا في تزكية أنفسهم وتهذيب أهوائهم وتنمية قدراتهم هم العلماء.

مقامات العلماء
وبناء على هذه الآية وغيرها يمكن تقسيم العلماء إلى مقامات ثلاثة:
1.  المقام الأول: مقام الراسخين في العلم هؤلاء الذين تَبحَّروا في أصول العلم وفروعه، وواصلوا الليل والنهار في القراءة والبحث والتفكير والكتابة، وهؤلاء هم أولوا الألباب كما قال تعالى: "وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ" (آل عمران:7)، فإذا لم يكونوا راسخين في العلم وقعوا في التلبيس والتشويش في فهم الرسالة وفي ضعف البصيرة.
وأحب أن أؤكد أن هناك زخمًا غير عادي في جمع مفردات العلم، والنبوغ في بعض فروع الشريعة وأصول الدين، غير أن جمهرة عديدة من هؤلاء تحوِّل الأمر إلى إثبات ذاتٍ، ودوران حول النفس، ورغبة في الترقية الأدبية والمادية، لكنهم يُسوِّفون الدعوة والتزكية والتربية إلى ما بعد التمكن العلمي والمادي والإداري، لكن هؤلاء يَنْسَوْن أن حركة الماء تُنقيِّه وأن الماء الراكد يفسد ويأسن ويتعفن كما قال الشافعي:
ما في المقام لذي عقـل وذي أدب   
...
مـن راحـة، فدع الأوطان واغترب
سافـر تجـد عوضـا عمـن تفارقــه    
...
وانصب فإن لذيذ العيش في النصب
إنـي رأيـت وقـوف الـمـاء يـفسـده  
...
إن ساح طاب وإن لم يجرِ لم يَطِـب
والأُسْدُ لولا فراق الغاب ما افترست   
...
والسهم لولا فراق القوس لم يُصـب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمـة  
...
لَملَّها الناس من عُجـم ومـن عرب
والتِّبر كالتُّرب ملقـًى فـي أمـاكنـه 
...
والعود في أرضه نوع من الحطـب
فــإن تغـرَّب هـــذا عــزَّ مطـلـبه
...
وإن تغـرَّب ذاك عـــزَّ كـالـــذهـب
ولا حلَّ لهؤلاء سوى أن يكون الرسوخ في العلم تمكينًا للإسلام لا للأشخاص، ودوران حول الرسالة لا النفس ووصولاً إلى البصيرة المؤهلة للدعوة وليس الشهادة الموصلة للمكاسب والمناصب!.

مقام الدعـاة
2.  المقام الثاني: مقام الدعاة الذين لا يكتفون بالتعلم وإنما ينطلقون إلى التعليم، ويبلغون ولو آية، ويحدثون بكل حديث حفظوه، وبكل معنى درسوه، عملا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية)[1]، وهؤلاء كما الله تعالى: "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" (فصلت:33)، فإذا لم يفعلوا وكتموا الحق مهما كان مُرًّا واسترضوا الخلق ونسوا الخالق فإن لعنات الله عز وجل تلاحقهم، كما قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" (البقرة: 160)، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كتم علمًا ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار)[2]، فإذا كانت هذه الدرجات العالية لمن يُبلِّغ دعوة الله فيقابلها دركات ولعنات لمن يكتم كلمة الله، لأن العلماء يجب أن يتحملوا مسؤوليتهم في بيان الحق وإنكار المنكر دون خشية إلا من الله، كما قال الله تعالى: "الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ  وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا" (الأحزاب: 39)، وهؤلاء - كما جاء في الآية - الله حسيبهم وهو مولاهم وكافيهم، كما قال الله تعالى: "أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ  وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ" (الزمر: 36).  

مقام الربانيين
 
3.  المقام الثالث: مقام الربانيين المُربيِّن وهؤلاء هم الذين يجاهدون أنفسهم ويصارعون شيطانهم، ويهذِّبون أخلاقهم، ويرتقون بمهاراتهم وملكاتهم وقدراتهم، ثم يصْطَفون النجباء، وينتقون النبلاء، ويرتقون بهم إلى العلياء وهو معنى التزكية التي قال الله عنها: "كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ" (البقرة:151).

وقد اختار النبي صلى الله عليه وسلم واصطفى العشرة المبشرين بالجنة والعبادلة والأخيار من الصحابة فأعدَّهم إعدادًا خاصًا فريدًا فصاروا علماء الأمة وأحبارها، وقادة الجيوش وربانها، والفاتحين المتحركين في جنبات الأرض كلها.
وهكذا يجب أن ينتقل العلماء ذوو البصيرة بين طلب العلم ودعوة الناس من حولهم، ومجاهدة النفس واصطفاء ذوي النبوغ في محاضن تربوية لصناعة القادة الربانيين والعلماء الصالحين المصلحين، فيجتمع لدينا نوعان من الناس:
النوع الأول: نخبة من الأئمة وهم العلماء والقادة الربانيين والحكام الصالحين، وقد أورد الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية قول الشاعر الأوْدي:
لا يصلح الناس فوضى لا سِراة        ولا سِراة إذا جُهالهم سادوا
والسِراة هم القادة فلا يصلح أي تجمع دون هؤلاء السِراة.
النوع الثاني: جماهير الأُمَّة من الأتباع الربانيين، فلو أن التمكين للإسلام يُكتفى فيه بالقائد الرباني الفذِّ لحدث التمكين في مكة للإسلام وللرسول صلى الله عليه وسلم ولهؤلاء الأخيار من السابقين إلى الإسلام من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وجعفر وحمزة وخالد بن سعيد وغيرهم، لكن الأغلبية الساحقة كانت كافرة أو معاندة فأُوذي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهاجر من هاجر إلى الحبشة وبقي الإسلام ضعيفًا مطاردًا حتى كثر الخير في يثرب ودخل أكثر أهلها الإسلام، وأرسلوا قادة منهم ومندوبين عنهم، والتقت القيادة بهؤلاء الجمهرة فكان النصر والتمكين في المدينة المنورة، وفي هذا يقول الله تعالى: "وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ" (الأعراف: 86)، ويقول تعالى: "وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ" (آل عمران:146).

إذن لا النخبة وحدها يمكن أن تصل إلى النصر مهما كانوا ربانيين، ولا الكثرة وحدها دون قادة ربانيين يمكن أن ينتصروا، فهذا قانون رباني يوجب أن نعمل به لننال التمكين، كما قال تعالى: "هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ" (الأنفال:62).

(نحو تجويد إبداعي)

مقال (نحو تجويد إبداعي) 
الحمد لله رب العالمين؛ والصلاة والسلام على أشرف المرسلين؛ وبعدُ:
يُعدُّ التجويدُ روضة علوم الرواية؛ ورياضة علوم الدراية؛ تلكَ المتعلقة بالقرآن الكريمِ فهمًا وأداءً.
وكما يتفاضلُ القرّاء في أداء الرواية وعلم الدراية؛ يتفاضل -كذلك- المدرسون القائمون على تدريس التجويد تمكُّنا ومهارةً، فمنهم من يتعامل مع جلسة التجويدِ على أنَّها جلسة استظهارٍ يجتهد خلالها في إِشراب الطلّاب أكبر قدرٍ من المعلوماتِ النظرية المجرَّدة؛ والمتون العلمية المنظومة والمنثورة...ومنهم من هو مُجتهدٌ في شَفع المعلومة النظرية بالتطبيق العمليِّ.
ولا شكَّ أن القسم الثاني أفضل حالًا؛ وأرجى مآلًا؛ وإن كانَ كثيرٌ منهم يَشكونَ من صعوباتٍ متعددة داخل الحلقات غير النظامية؛ إذ -غالبًا- ما تتفاوت أعمار الطلاب تفاوتًا جليًّا داخل هذه الحلقات؛ فضلًا عن خضوع جلسة التجويد نفسها لعوامل التغيُّر التي تتميَّز بها هذه الحلقات؛ بل ربَّما وصل الأمر إلى غياب المنهجية تمامًا في التعامل مع جلسة التجويد وغيرها من المناهج المكمِّلة.
المتوقَّع إذًا؛ والحال هكذا؛ أن تأخذ جلسة التجويد شكلًا نمطيًّا يُضعف من إكساب الأطفال لملكة الدراية؛ ويُرضَى من الغنيمة بتقليد الأطفال قراءةَ شيخهم دون وقوفٍ على الأسباب والعلل في كثير من جزئيات الأداء.
ومن خلال التجربة العملية والممارسة أُقدِّم بعض هذه المقترحات:
1- التركيز في تنمية المهارات السماعية .
السمع –كما يصفه ابن خلدون– أبو الملكات اللسانية؛ والملكة هي أساس تحصيل الدراية.. ولتنمية هذه الملكة يمكن اعتماد التدريبات الآتية:
التدريب الأوَّل:
صف ما تسمع:
مثال تطبيقي: قبل الشروع في شرح أحكام النون الساكنة والتنوين؛ اطلب من طلابكَ الاستماع جيِّدًا لقراءتك؛ واقرأ عليهم الكلمات الآتية مجوَّدة: (أنعمت)؛ (من يعمل)؛ (من شر)؛ (من بعد) ... بعد تكرار القراءة ثلاث مرَّات دع الطالب يصف بألفاظه ما هو الفرق في نُطق النون في كلِّ حالة ... المُستهدف من التدريب تنمية ملكة السمع؛ والتعبير. ولا يخفى أنَّ هذا سيكون مدخلًا رائعًا لشرح أحكام النون الساكنة والتنوين.
 مثال آخر: اقرأ عليه الكلمات الآتية مجوّدة ودعه يصف الفرق كما في الحالة الأولى : (قتل ؛ قاتل)، (أتى ؛ ءاتى)، (أُتوا؛ أُوتو) (عمَّ يتساءلون) على الصواب ؛ عمَّا يتساءلون كما يُلحن فيها بإطالة فتحة الميم)؛ (إنَّ شانئك) على الصواب؛ إنَّا شانئك كما يُلحن فيها بإطالة فتحة النون؛ ( لم ينتهِ) ؛ لم ينتهي كما يُلحن فيها بإطالة كسرة الهاء..
التدريب الثاني:
اكتب الكلمة كما تنطقها:
في هذا التدريب تُقرأ على الطالب كلماتٌ مجوَّدة ويُطلب منه كتابتها كما سمعها.
مثال: اكتب: مِن ربهم (مِرَّبِّهم) ؛ من يعمل (مَيعمل) ، من بعد (مم بعد) ... وقِس على هذه الوتيرة.
2- تنمية ملكة التفكير والتوقُّع:
تدريب1:
اكتب مجموعة من الكلمات بالرسم العثماني بحيث تحتوي بعض الكلمات نونًا ساكنة؛ وبعضها الآخر تنوينًا؛ ونوِّع في موضع النون الساكنة طرفًا ووسطًا؛ واجعلهم يستنبطون الفروق بين النون الساكنة والتنوين.
 تدريب2:
توقُّع التشكيل في نحو: من يعمل؛ من شر؛ ربهم بهم ؛ الشمس؛ القمر ..إلخ...
 3- اكتشف الفرق (تدريب بصريٌّ لتنمية مهارة اكتشاف الفروق الكتابية؛ وربطها بطريقة الأداء.
تدريب1:
من خلال المقارنة البصرية بين تشيكل همزة الوصل ؛ والألف المهملة؛ وألف المدّ الطبيعي والفرعي؛ وألف الصفر المستطيل.
تدريب2:
دعه يكتشف بنفسه طريقة رسم التنوين في حالاته المختلفة.
ولا يفوتني التنبيه على أنَّ المدرِّس الناجح هو الذي يجعل جلسة التجويد ممتعة؛ ويبتكرُ باستمرار في طريقة تفاعله واتصاله بطلَّابه؛ وإليك بعض هذه الطرق:
1- دع الطالب يُقدِّم نفسه؛ ويختم الحديث بذكر هوايةٍ من هواياته تبدأ بلام قمرية؛ على أن يقوم الطالب الذي يليه بتكرار الأمر مع ذكر إحدى هواياته التي تبدأ بلام شمسية؛ وهكذا بالتبادل... (لا يُشترط في هذا التدريب أن تكون الكلمة مذكورة في القرآن؛ كما لا يُشترطُ التزام الدَّور المكاني؛ بل أوَّل طالبٍ يكون مُستعدًّا ثم الذي يليه استعدادًا).
2- أَكثرْ من اعتماد أسلوب التدريب الجماعي أثناء الجلسة؛ فيمكن تقسيم الطلّاب إلى مجموعات عشوائية؛ وتكليفهم – مثلًا – باستخراج الأحكام التجويدية في القراءة التي قرأها عليهم أحد زملائهم؛ على أن يُمنحوا وقتًا مُحدّدًا لذلك؛ بعده تقوم المجموعات بعرض أعمالها؛ يمكن استخدام ورق الحائط الأبيض لكتابة الحلّ ثم تعلِّق كل مجموعة عملها على مكان مخصص على الحائط بحيث تكون واضحة للجميع؛ ثم يقوم أحد أفراد المجموعة أو أكثر من واحد بعرض عملهم؛ على أن يُختار أحسن تصميم ؛ وأحسن عارضٍ؛ وأحسن عملٍ من حيث المادة العلمية؛ وتُترك مساحة للآخرين من خارج المجموعة بالتعليق على أعمال زملائهم ونقدها؛ وهذه الطريقة تُنمي مهارات التفكير الجماعي؛ والتعاون؛ والإبداع ؛ والتصميم ، والعرض، والنقد.
3- حفِّز عند الطلَّاب الإبداع في عمل الواجبات المنزلية الإضافية؛ فلا يلتزم شكلًا واحدًا نمطيًّا؛ بل تُترك له مساحة من الحرية لتقديم عمله في أيِّ تصميم شاء: نصيًّا؛ أو باستخدام الرسوم التوضيحية؛ أو التجميلية؛ أو حتى صياغته في صورة لوحة حائط..إلخ.
4- من الطرق الرائعة إقامةُ يومٍ تدريبيٍّ كامل ؛ بحيث يقضي الطلَّاب يومًا كاملًا في مراجعة دروسٍ معيّنة من التجويد (خمس ساعات على الأقلّ ؛ على فترتين يتخللهما فسحة لمدة نصف ساعة)، وهذه الطريقة مُجديًّة قبل الاختبارات النظرية؛ والشفوية، وبعد الانتهاء من مستوًى ما وقبل الالتحاق بالمستوى الذي يليه. يجبُ التنويع في فقرات هذا اليوم؛ والجمع ما بين التدريب الجماعي (وهو الغالب) والتدريب الفردي؛ والحرص الأكيد على إشراك جميع الطلّاب في القراءة؛ والعرض؛ والواجبات.
 وفي الختام لا يسعني إلا أن أضع هذه التجارب بين يدي إخواني المدرِّسين والمحفظينَ؛ لعلَّ الله ينفعني وإياهم بها؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين...  
كاتب المقال: د.محمود عبد الجليل روزن...جمهورية مصر العربية..
مقرئ؛ وباحث في علوم التجويد والقراءات؛ ومشرف علميٌّ وتربويٌ على بعض المدارس القرآنية.
بسم الله الرحمن الرحيم