بسم الله الرحمن الرحيم . إذا أردت أن تحفظ القرآن وتحصل على سند ، ما عليك سوى الاتصال بنا . كما يمكنك الحفظ معنا عبر الإنترنت
إذا أردت دراسة أحد علوم اللغة أو أحد المواد الشرعية فقط راسلني .::. إذا أردت إعداد بحث لغوي أو شرعي فنحن نساعدك بإذن الله

language اللغة

English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

اذكر الله

11‏/07‏/2011

(2) رسائل الإسراء التربوية الإيجابية
الخميس 06 شعبان 1432 ـ الموافق 07 يوليو 2011
(2) رسائل الإسراء التربوية الإيجابية
بقلم الدكتور :- حمدي شعيب

سيدي الحبيب صلى الله عليكم وسلم ...

هذه هي رسالتي الثانية التي تبحث في أسرار حادثة الإسراء والمعراج الجليلة، وتستكمل ما بدأناه من إعادة لقراءة ملفاتها الثرية.

لقد جاءت اللحظات الحاسمة والجليلة؛ والتي جاء وصفها في كتب السيرة: (ثم رفع إلى سدرة المنتهى، فإذا نَبْقُها مثل قِلاَل هَجَر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، ثم غشيها فراش من ذهب، ونور وألوان، فتغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن يصفها من حسنها‏.‏ ثم رفع له البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون‏.‏ ثم أدخل الجنة، فإذا فيها حبائل اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك‏.‏ وعرج به حتى ظهر لمستوى يسمع فيه صَرِيف الأقلام‏).‏ [الرحيق المختوم: المباركفوري]

يا لها من لحظات؛ هكذا شاهدتم ما لم ولن يشهده بشر؛ خاصة عندما سمعتم خرير الأقلام وهي تسجِّل ما يدور في هذا الوجود الكبير!؟.

ويا له من موقف جليل؛ لا يستطيع أن يصفه مخلوق؛ إلا الخالق العظيم؛ الذي وصفه بكلمات فريدة تليق بالمشهد الفريد، وتليق بقمة التشريف، والتقدير الرباني العلوي الذي يأتي في وقته.

ونستشعر أن الياء الممدودة تسكب فينا استشعار هذا الامتداد اللامنتهي؛ والذي يمتد ليحلق بنا في ملكوت السموات والأرض بل والوجود كله: "وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى. مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى. وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى. ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى. وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى. ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى. أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى". [النجم1-18]

سيدي الحبيب ...

نريد أن تسعفنا أذهاننا وقلوبنا؛ فنتخيل كيف تحملتم هذا المشهد القدسي؟.

وكيف كنتم تعايشون هذه الاحتفالية الربانية العلوية؟.

إنه اللقاء الذي كان بمثابة الهدف المقصود من الرحلة كلها؛ وهو الحضور في رحاب الجليل سبحانه؛ فترى من آيات ربنا الكبرى.

وذلك كما (ورد في تعليل هذه الرحلة هو قوله تعالى‏:‏ "‏لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا". ‏[‏الإسراء1‏]‏ وهذه سنة الله في الأنبياء، قال‏:‏ "‏وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ". ‏[‏الأنعام‏75‏]‏، وقال لموسى عليه السلام‏:‏ " ‏لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى". ‏[‏طه‏23‏]‏، وقد بيَّن مقصود هذه الإراءة بقوله‏:‏ "‏وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ" فبعد استناد علوم الأنبياء إلى رؤية الآيات يحصل لهم من عين اليقين ما لا يقدر قدره، وليس الخبر كالمعاينة، فيتحملون في سبيل الله ما لا يتحمل غيرهم، وتصير جميع قوات الدنيا عندهم كجناح بعوضة لا يعبأون بها إذا ما تدول عليهم بالمحن والعذاب‏). [المصدر السابق]‏

لقد كانت لحظات رائعة، وفاصلة في عمق التاريخ البشري، تلقيتموتها في وقتها؛ ونستشعر أنها تسكب داخل كل صاحب قضية أو هدف أو مشروع عظيم عدة رسائل محفزة؛ داعية للتفاؤل والإيجابية، وتحمل التحديات لتحقيق الغايات؛ مثل:

(1)عندما تتهاوى الأسناد الأرضية؛ فهناك سند علوي كريم لا يتركك ولا يزول؛ فامتلئ ثقة به ولذ به.

(2)أشفق على ظالمك؛ وأرسل سهامك إلى خالقك؛ فهناك صحف تملأ وملائكة تكتب، وأقلام تسطر.

(3) دوماً تشرق الشمس؛ فلا تستطيل ليلك، واملأ جعبتك بالأمل.

6- ابحث عن مستشار نزيه ومخلص:

 لقد كان لموسى عليه السلام موقفاً رائعاً معكم أيها الحبيب؛ (ثم عرج به إلى الجبّار جل جلاله، فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، وفرض عليه خمسين صلاة، فرجع حتى مرّ على موسى فقال له‏:‏ بم أمرك ربك‏؟‏ قال‏:‏ ‏[بخمسين صلاة‏]‏‏.‏ قال‏:‏ إن أمتك لا تطيق ذلك، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فالتفت إلى جبريل، كأنه يستشيره في ذلك، فأشار‏:‏ أن نعم إن شئت، فعلا به جبريل حتى أتى به الجبار تبارك وتعالى، وهو في مكانه ـ هذا لفظ البخاري في بعض الطرق ـ فوضع عنه عشرًا، ثم أنزل حتى مر بموسى، فأخبره، فقال‏:‏ ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فلم يزل يتردد بين موسى وبين الله عز وجل، حتى جعلها خمسًا، فأمره موسى بالرجوع وسؤال التخفيف، فقال‏:‏ ‏[قد استحييت من ربي، ولكني أرضى وأسلم‏]‏، فلما بعد نادى مناد‏:‏ قد أمضيت فريضتى وخففت عن عبادي)‏. [المصدر السابق]

لقد قدَّم مثلاً رائعاً في النزاهة وحب الخير، وضرب مثلاً راقياً للمستشار المخلص، الذي يقدِّم خبرته لنجاح الآخرين، والتعاون في صنع الخير.

فرغم دموعه عليه السلام لأنكم أيها الحبيب قد نلتم وأمتكم شرفاً يفوق ما نالته بنو إسرائيل؛ ورغم هذا كان رفيقاً بنا، وبتخفيف التكاليف التي يعلم من خبرته أن بشريتنا لا تطيقها.

فكم من موقف وكم من أزمة وكم من مشكلة؛ افتقدنا دور موسى عليه السلام فيها ولم نجده معنا.

ولذا فإننا نفهم الآن قيمة أن: "المستشار مؤتمن". [مسند أحمد ـ مسند الأنصار رضي الله عنهم]

7- امتلك رؤية مستقبلية ... وعش حلمك:

أما اللقطات الموحية التي يجب أن نقف عندها كثيراً؛ فهي عرض بعض أصناف وفئات من عصاة الأمة، وما يلاقونه من عقاب؛ مثل أكلة أموال اليتامى ظلمًا، وأكلة الربا، والزناة، وغيرهم.

‏ وكأنها رسالة؛ أن تتيقن أيها الحبيب أن مشروعك التغييري الحضاري سيتحقق، وهؤلاء هم شواذ هذه المنظومة المؤمنة التي ستحققها في دنيا البشر؛ بل وفي الكون كله!.

فمن أجمل الرسائل الإيجابية التي تبث روح الأمل في نفس كل صاحب قضية أو مشروع؛ هي:

(1) تصور وقوعه وتنفيذه على أرض الواقع؛ حتى ولو قبل تطبيقه بعقود، وأن يعيش الحلم من بداياته.

(2) أحلامك تبدأ من داخلك، وثقتك بنفسك تحتاج إلى من يطلق شرارة تفاعلها داخلك.

8- مشروعك يحتاج براهين ... تثبت ... وتتحدى:

ولقد حدث أثناء الرحلة بعض الأمور؛ كما نقلتها السير (ورأى عيرًا من أهل مكة في الإياب والذهاب، وقد دلهم على بعير نَدَّ لهم، وشرب ماءهم من إناء مغطى وهم نائمون، ثم ترك الإناء مغطى، وقد صار ذلك دليلًا على صدق دعواه في صباح ليلة الإسراء‏.

قال ابن القيم‏:‏ فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومه أخبرهم بما أراه الله عز وجل من آياته الكبرى، فاشتد تكذيبهم له وأذاهم واستضرارهم عليه، وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس، فجلاه الله له، حتى عاينه، فطفق يخبرهم عن آياته، ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئًا، وأخبرهم عن عيرهم في مسراه ورجوعه، وأخبرهم عن وقت قدومها، وأخبرهم عن البعير الذي يقدمها، وكان الأمر كما قال، فلم يزدهم ذلك إلا نفورًا، وأبي الظالمون إلا كفورًا). [المصدر السابق]

لقد كانت بمثابة البراهين التي ساقتها الأقدار لتصدقكم أيها الحبيب، وتثبت مناصريك وأحبابك أمام تحديات وشبهات ومعارضات واستهزاء الآخرين.

وهي رسائل معبرة توجهنا جميعاً؛ أن تكون لدينا من البراهين المؤكدة والدامغة

9- مراعاة الجانب الأخلاقي: 

ومن اللمحات المعبرة؛ مثل (عرض عليه اللبن والخمر، فاختار اللبن، فقيل‏:‏ هديت الفطرة أو أصبت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك). [المصدر السابق]

ونستشعر فيها أيها الحبيب عدة رسائل تربوية؛ منها:

(1) أن نهتم بأدب الضيافة.

(2) بث ثقافة الحرية والاختيار.

(3) الاهتمام بالجانب الأخلاقي في سوكياتنا، وأن نتحرى الحلال من الطعام والشراب، ونتقي الشبهات.

(4) عدم الاصطدام بالفطرة.

وهناك قاعدة مهمة؛ وهي أن سلوك الفرد يدل على الفكرة التي يحملها.

لهذا فمن الضروري أن يكون سلوكنا ترجماناً صادقاً للفكرة الربانية التي نحملها وتستقيم مع فطرتنا.

وتأمل هذا الجانب السلوكي في حياة هؤلاء الفتية المؤمنين؛ أصحاب الكهف، عندما نتدبر الشرط الذي اشترطوه على رسولهم الذي أرسلوه ليحضر لهم الطعام: " فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ ". [الكهف 19]  أي فليتخير أحل وأطيب الطعام أو أجوده، فليأتكم بشيء منه.

فتأمل هذا الورع واجتناب المحرمات، والبعد عن الشبهات، وعدم الركون إلى أن الضرورات تبيح المحظورات، ولا أن الطعام كان مجهولاً المصدر. وتدبر كذلك هذا الشرط الصعب لمن يبحث عن طعام في مجتمع مسلم،  فما بالك بمجتمع غير مؤمن. وتأمل أيضا مغزى كلمة: "بورقكم"، أي من دراهمهم المضروبة ونقودهم الفضية، أي من مالهم الخاص. وما توحي به في النفس من أن الداعية لا يأكل إلا من ماله الخاص من ورقه المعروف مصدره، ومن كده الخاص، فاليد العليا دوما خير من اليد السفلى.

وهذا يعطي ملمحاً طيباً لنا أن نترفع عن الدنايا، ونتورع عن الشبهات.

10- صاحبك ... عنوانك:

أما موقف الصديق أبي بكر رضي الله عنه؛ فمشهور ويقال‏:‏ سُمي أبو بكر رضي الله عنه صديقًا؛ لتصديقه هذه الوقعة حين كذبها الناس‏.

وهذا يركز على أهمية وجود الصديق أو الصاحب الذي يناصرنا عندما يتخلى الآخرون، ويصدقنا عندما يكذبنا الآخرون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق