بسم الله الرحمن الرحيم . إذا أردت أن تحفظ القرآن وتحصل على سند ، ما عليك سوى الاتصال بنا . كما يمكنك الحفظ معنا عبر الإنترنت
إذا أردت دراسة أحد علوم اللغة أو أحد المواد الشرعية فقط راسلني .::. إذا أردت إعداد بحث لغوي أو شرعي فنحن نساعدك بإذن الله

language اللغة

English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

اذكر الله

09‏/09‏/2011

من أسرار القرآن ... ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول د . صلاح سلطان

من أسرار القرآن ... ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول
أ.د. صلاح الدين سلطان
" لِّذِي حِجْرٍ"
يبدو لي أن هذه المنهجية التي أطلقها أحد علمائنا ودعاتنا الأخيار تستند إلى هذا الأصل الرباني في هذه الكلمة التي نمر عليها مرور الكرام: "هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ" -الفجر: 5-، فالله تعالى بعد القسم بالفجر: "وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ" -الفجر : 1: 4-.
يأتي هذا الاستفهام -كما ذكر القرطبي والطبري -توكيدًا لمعنى: "إن في هذا القسم مكتفى لذي عقل"، وقد عبَّرت الآية عن العقل بأنه الحِجر، حيث يقال للرجل إذا كان مالكًا نفسَه، قاهرًا لها: إنه لذو حجر (تفسير الطبري:24 /402)، وقال القرطبي (20/43): "وأصل الحِجر المنع، يقال لمن ملك نفسه ومنعها إنه لذو حِجر، ومنها سمي الحَجر لامتناعه وصلابته، ومنها حجر الحاكم على فلان أي منعه وضبطه عن التصرف، وسميت الحجرة حجرةً لامتناع ما فيها بها، وقال الفراء: "العرب تقول إنه لذو حِجر إذا كان قاهرا لنفسه ضابطا لها" وأورد قول الشاعر:
وكيف يُرجَّى أن تتوب وإنما  ***  يٌرجَّى من الفتيان من كان ذا حِجر
(أي كان ذا عقل ولب).
والمعنى التربوي الجلي من هذه الآية أن الله تعالى يخاطب أهل القرآن أن يكون عقله المفعم والمتشبع بنصوص القرآن والسنة كمعايير عليا، ونماذج مثلى، ليكون دور العقل هو أن يلزم الهوى والشهوات والنزوات التي لا يخلو منها إنسان، يلزمها لجام التقوى، ويحجر على هواه أن ينفلت في نقطة ضعف يجب أن يصدق كل منا ربه فيها، فمنا من لا يضعف أمام بريق المال ولكن تغريه السلطة والشهرة، ومنا من لا تغريه السلطة ولا الشهرة ولكن ينطوي على هوى من الانفلات عند الغضب دون رادع أو وازع يلجم نزوة الغضب، ومنا من تغلبه شهوة الجنس فتطفو على جميع الرغبات وتعلو على كل الأولويات ويتجاوز بها كل الحدود والحرمات، ومنا من يزحف وراء كل درهم ودينار ويلعق الأقدام ليحظى ولو بقليل من المال، ومنا من لا يمسك طرف لسانه ولا يحجب أسرار غيره ولا يترفع عن الغيبة والنميمة والكذب والبهتان، ومنا من يحجر على كل هذه الشهوات لكن شهوة بطنه تغلب عقله فلا يكاد يرى طعاما إلا ويسيل لعابه وتطيش يده ويمتلئ فمه وتنتفخ فمه، ومنا من تغلبه شهوة التجمل والموديلات الجديدة والتزين بالملابس الفريدة والفتنة بعمليات التجميل: "وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ"-النساء : 119-.
شهوات الدول الكبرى
ومن هذا الباب صار عالم القرن 20/21 تروج فيه أكبر وأخس أنواع التجارات وهي الجنس والسلاح والمخدرات، فلا حجر ولا عقل على شهوات الدول الكبرى أن تلتهم في غمضة عين الدول الصغرى، ولا حجر – إلا من رحم الله – على حاكم أن يحول شعبه بين فقير أو كسير أو ذليل، ولا حجر ولا عقل لنزوات الشباب في الفتنة بالإنترنت والفضائيات والهواتف والرسائل النصية والإلكترونية والتجول بين المطاعم والأسواق ودور السينما والقهاوي والنوادي والتسكع في الطرقات وإن قعد به ذلك عن الدراسة والعبادة والتزام المروءات الاجتماعية.
إن الحِجر هنا هو العقل الذي يحجب الإنسان عن هذه السفاسف ويحمله على المكارم ليكون بحق كما أورد الجلال السيوطي أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعاً لِمَا جِئْتُ بِهِ» (جامع المسانيد والمراسيل، الإكمال من الجامع الكبير، 8/355، وقال حسن غريب).
إن هذه الآية رغم قصرها لكن دقتها تعني الكثير مما يوجب أن نستحضر دواءين متلازمين غير منفصلين لكل نفس تريد أن تسعد نفسها ومن حولها في الدنيا والآخرة، الدواء الأول هو العلم الذي يزيل الشبهات، والدواء الثاني هو المجاهدة التي تعالج الشهوات.
والرابط الذي أراه هنا في هذه السورة بين الفجر وقصص الطاغين والمفسدين والظالمين أن الميدان الأول الذي يجب أن ينجح فيه الإنسان هو أن يقاوم هواه في النوم ليقوم لصلاة الفجر ويحيا الأيام والليالي العشر ويجعل ليله ليل العابدين لا العابثين ثم يتهيأ لدوره -حسب قدراته الداخلية وإمكاناته الخارجية المتاحة- ليكون أحد معاول إنهاء الظلم ومواجهة الطغيان والقضاء على الفساد في الأرض.
هذه تحتاج بحق إلى عقل مفعم بالإيمان بالغيب يجعله يحتمل الصعاب ويستعذب كل مصاب في سبيل أن يبقى على الحق والصواب حتى يلقى ربه الوهاب فيمنحه الرضا والجنة مع الرسل والأصحاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق