بسم الله الرحمن الرحيم . إذا أردت أن تحفظ القرآن وتحصل على سند ، ما عليك سوى الاتصال بنا . كما يمكنك الحفظ معنا عبر الإنترنت
إذا أردت دراسة أحد علوم اللغة أو أحد المواد الشرعية فقط راسلني .::. إذا أردت إعداد بحث لغوي أو شرعي فنحن نساعدك بإذن الله

language اللغة

English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

اذكر الله

03‏/10‏/2011

قصة رائعة جداً : الفَـــرَج


قصة رائعة جداً : الفَـــرَج

مِـنْ أقصاها إلى أقصاها لَمْ تعرف البلدة كلها أَفْصَحَ منه لسانًا، ولا أبلغَ منه بيانًا.. لكنَّ أزماته كانت مستعصية، ومشاكله لا تنتهي! وأغلب المقربين منه كانوا على خِلافٍ معه؛ بسبب تفريطه في حق الله، وَعُقُوقِه لأُّمِّه العجوز، وطموحاته المادية الشَّرِهَة!

لَمَّا كان أول يوم في العام الدراسي الجديد، تَوَجَّه إلى عمله باكرًا فإذا بشخصٍ مجهولٍ يمسك به ويضربه ضربًا مبرحًا حتى كاد يُودِي به.. فرآه أحد زملائه المدرسين، فَأَسْرَعَ لِيُخَلِّصَه منه، فقال له: ارجعْ، وَدَعْه يضربني؛ فإنِّي قد ضَربتُ أُمِّـي في هذا المكان!
عندما اسْتَرَدَّ عافيته بعد بضعة أيام، خرج إلى السوق ليشتري حاجاته، فتشاجرَ مع بعض الباعة، فصفعه أحدهم على وجهه حتى سقط على الأرض، وأخذ يَجُرُّه من ثيابه بلا هوادة.. فَظَلَّ يَتَوَسَّل إليه، ويسكب الرجاء عند قَدَميْه، وَيَصِيحُ به: كفاكَ، كفاكَ هذا.. فإنِّي قدْ جَرَرْتُ أُمِّـي إلى هنا فقط!
حُمِلَ بعدها إلى البيت مُعْتَلًا، فَمَكَثَ في غيبوبة، وطال به المرض، حتى يئسَ الأطباء من علاجه! فنادى بصوتٍ مُنكَسِرٍ محزون: إلهي، عَجزَ المداوون.. وَلَمْ يَبْقَ إلا أنت، فداوني، فإنِّي لا أعودُ لمعصية.. فعافاه الله، فرجع إلى المعاصي أشدّ مما كان!
فبينما هو كذلك أصابه المرض مرةً ثانية، فقال: إلهي، أَقِلْنِي عثرتي، وأقمني من صرعتي، فلا أقترف بعدها خطيئة، فأقامه الله من صرعته، فرجع أشدّ مما كان من الخطايا!
فبينما هو كذلك، وقد استحوذ الشيطان عليه أخذه المرض مرةً ثالثة واشتدَّ عليه بقوة، فقال بصوتٍ ضعيف: إلهي وسيدي، ارحمني وعافني مِمَّا نزل بي، فإنِّي لا أعودُ أبدًا لشيء يُغضبك، فسمع هاتفًا يقول: جَرَّبنَـاكَ مِـرارًا، فوجدنـاكَ كاذبـًا!
فَرَاحَ يرتجف مِمَّا سمع، ويتلوَّى من شدة التوبيخ! ثمَّ صَرَخَ مذعورًا:
العفو يا صاحب العفو! يا مَنْ يَغْضَب على من لا يسأله، لا تمنع مَنْ قدْ سألك!
في تلك اللحظة دخل عليه صاحبه، فقال له: هَلْ أَنْتَ صادق فيما تقول؟ قال: نعم. فَتَفَرَّسَ في وجهه، ثمَّ قال: أرجوكَ أنْ تفتح صفحةً جديدةً، شعارها «القناعـة»! فَلَسْتَ بحاجةٍ إلى أَنْ أُذَكِّركَ بأنَّ يوســف كانت معه خزائن الأرض، ومع ذلك كان يَصُومُ يومًا ويفطرُ يومًا، حتى لا يَنْسَى الجائع! وأبـوالزهــراء راودته جبال مَكَََََّة على أنْ تصيرَ له ذَهَبًَا فَأََبَى، وقال: اللَّهُـمَّ اجعل رزق آل مُحَمَّـدٍ كَفَافـا!
فاستيقظَ من غفلته، وأفاقَ من غيبوبته، وَتَمْتمَ: ماذا أفعل إِذَنْ؟ فأسرعَ به صاحبه إلى الساحة العمرية وهناكَ حكى للشيخ ما كان من أمره.

فأجلسه بجواره على سجادةٍ لا شرقيةٍ ولا غربيةٍ كسجَّادة الخضــر! ثمَّ قرأَ عليه بعضًا من آي القرآن الكريم، ثمَّ مَسَحَ على رأسه، وقال: كُنْ واثقًا في فَرَجِ الله وعفْوه، فنوح كان يُضْرَب حتى يُغْشَىَ عليه، ثمَّ بعد قليلٍ نجا في السفينة! والخليـل أُلقِيَ في النار، ثمَّ بعد قليلٍ خرج سالمًا! والذبيـح يضطجعُ مُسْتَسْلِمًا، وفجأة أتاه الفِداء، وَبَقِيَ مدحه إلى الأبد! ويعقـوب ذهب بصره بسبب الفراق، ثمَّ عاد إليه قبل الوصول! ومُوسَـى يشتغل بالرعي، ثمَّ يَرْقَى إلى التكليم! ومُحَمَّـد كان يُقَالُ له بالأمس اليتيم، ثمَّ جاء اليوم الذي أَتته الملوك والقياصرة مُكَبَّلِين!
ما إنْ سمع هذه البشارات حتى عادتْ إليه روحه، وَدَبَّتْ فيه الحياة، وشَعَرَ كأنه في حلم بهيج.. فشكر الشيخ وقَبَّلَ رأسه مرارًا. ثمَّ طلب منه وصيةً يَخُصُّه بها فَأَخْرَجَ ورقةً، وكتب له فيها: احذر لُجَّـة البحر، ولا تَغْتَرَّ بسكونه، وعليكَ بالساحل، ولازِمْ حِصْـن التقـوى!
فالتقطها من يده، وأخذ يتأمل فيها كأنَّها من ألـواح مُوسَـى! وقبل أنْ يغادره، قال: إنَّ أُمِّي هجرتني منذ سنين بعيدة، ولا أعرفُ لها سبيلًا وأخشى ما أخشاه أنْ أموتَ عاقًّا لها!
فتغيَّرَ وجه الشيخ في الحال، ونهض مُنزَعِجًا، ثمَّ رَفَعَ أَكُفَّه نحو السماء، ودعا بصوتٍ خاشعٍ نَديٍّ كأنه من مزامـير آل داود: سَيِّدي ومولاي، أَسْألكَ بالرحمة التي رَحِمْتَ بها إسـرائيل فَجَمَعْتَ بينه وبين ولده، وأسألكَ بالرحمة التي رَحِمْتَ بها أيـوب فكشفتَ عنه البلاء، وأسألكَ بالرحمة التي رَحِمْتَ بها «يونـس» فَنَجَّيته من الغَمِّ، وأسألكَ بالرحمة التي رَحِمْتَ بها زكريـا فَوَهَبْتَ له يَحْيَـى.. إلاَّ رَدَدْتَ قلبَ هذا الشاب على أُمِّه، ورَدَدْتَ قلبها عليه!
فَأَجْهَشَ الحاضرون، بالبكاء لكنَّ الشاب اهْتَزَّ فرحًا وابتهج، وعند خروجه من الساحة، رأى الغَيْثَ يهطل بغزارة، فأصابته رَعْشَةٌ من أصوات الرعد، فأوجس خيفة، وتراجع قليلًا.. لكن لهيب الوجد، لَمْ يجعله ينتظر طويلًا.. فَشَعَرَ كأنَّ أحدًا يحمل خُطَاه، ويسوقه إلى الأمام.. فاندفع مُهَرْوِلًا نحو الباب العمومي، فَفُوجِئ بأُمِّهِ تعانقه بشوقٍ جارف! فَخَرَّ يُقَبِّل رِجْلَيْها، ويتململ تحت قَدَمَيْها .
محمد عبدالشَّافِي القُوصِي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق