سؤال : هل هناك فرق بين الثمار والفاكهة في الجنة ؟
التفريق بين الألفاظ القرآنية ليس بالأمر الهين، وهو يحتاج إلى استيعاب الآيات جميعها في الموضوع الواحد وإجراء الفروق بينها، وسأذكر بعض تلك الفروق التي توصلت إليها بين الفاكهة والثمار، وفيها إن شاء الله تعالى تفريقاً بين فاكهة الجنة وثمرها، وهي من ثلاثة وجوه:
أولاً: الثمار أعم من الفاكهة، فكل فاكهة ثمار، وليس كل ثمار فاكهة، قال الله تعالى:
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
[الأنعام:141]، فجعلت الآية الزيتون ثمراً، وهو ليس بفاكهة، وعندما تكلم القرآن عن الثمرات كان يذكرها على سبيل عموم كل الثمرات ليدخل في ذلك ما كان فاكهة وما لم يكن فاكهة، قال تعالى:
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
، وقال:
وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
.
ثانياً: الثمار مرتبطة بما ينتفع به الناس من أمور الرزق والتكسب والادخار، وليس بالضرورة كذلك الفاكهة، قال تعالى:
وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ
، وقال:
وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
، وقال في عقوبة آل فرعون:
وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ
، وقال في حال من فقد سبب رزقه:
أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
، فذكر الثمرات لأنها من أسباب التكسب والترزق، بما يعود عليه وأبنائه بالخير، وقال:
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ
، وجاء في دعاء إبراهيم
:
وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ
، ومعلوم أن الذي يصل إلى هذه الأرض القفر من الأرض هو ما يدخر من الثمار، ومما يعزز هذا الرأي ما ذهب إليه طائفة من المفسرين منهم ابن عباس
ومجاهد أن ما جاء في القرآن ثُمُر فهو مال، وما كان من ثَمَر فهو من الثمار، وهو ما رجحه بعض المفسرين عند قوله تعالى:
وكان له ثمر
، ولعله المناسب للسياق.
والفاكهة لا تدخر كالثمار، قال تعالى:
وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ
، وقال:
وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ
، وقال:
فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
، فالفاكهة هنا عطفت أو عطف عليها ما يدخر.
ثالثاً: الآيات المتحدثة عن الجنة ذكرت الفاكهة في معظم السياقات، وكما هو معلوم أن الجنة ليست دار تكسب وادخار، وإنما هي دار تفكه وافتخار، وقد ذكر القرآن الفاكهة بهذا الاعتبار، قال تعالى:
مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ
وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ
وقال:
لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ
وقال:
وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ
، وقال:
لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ
، وقال:
وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ
والآيات في ذلك كثيرة، لكنه ذكر في بعض الآيات الثمار دون الفاكهة من مثل قوله تعالى:
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
، وذلك أن أهل الجنة سيذكرون ثمار الدنيا عند رؤية فاكهة الجنة لتشابههما في الظاهر، فالآيات القرآنية آثرت ذكر الثمر على الفاكهة لبيان هذا المعنى، وأن ثمار الآخرة ليست كثمار الدنيا، فهي من قبيل التنبيه.
ومثل قوله تعالى:
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ
، فآثر هنا ذكر الثمرات على الفاكهة باعتبار العموم، فلا يوجد ثمر غير موجود في الجنة.
على أن القرآن أراد في معظم الآيات أن يلفت الأنظار إلى أن المقصود في الجنة التفكه فقال تعالى:
كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ
، وقال:
فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ
، وقال:
فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ
، وقال:
أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ * فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ
، وقال:
إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ
، فهذه آيات في بيان أن أهل الجنة شغلهم الفاكهة، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
أولاً: الثمار أعم من الفاكهة، فكل فاكهة ثمار، وليس كل ثمار فاكهة، قال الله تعالى:
ثانياً: الثمار مرتبطة بما ينتفع به الناس من أمور الرزق والتكسب والادخار، وليس بالضرورة كذلك الفاكهة، قال تعالى:
والفاكهة لا تدخر كالثمار، قال تعالى:
ثالثاً: الآيات المتحدثة عن الجنة ذكرت الفاكهة في معظم السياقات، وكما هو معلوم أن الجنة ليست دار تكسب وادخار، وإنما هي دار تفكه وافتخار، وقد ذكر القرآن الفاكهة بهذا الاعتبار، قال تعالى:
وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ
ومثل قوله تعالى:
على أن القرآن أراد في معظم الآيات أن يلفت الأنظار إلى أن المقصود في الجنة التفكه فقال تعالى:
منقول بتصرف من ملتقى أهل التفسير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق